يخوض شخصان نفس التجربة الصعبة فينهار الأول بينما يقاوم الثاني منطلقا للمزيد من التحديات، وحين يستسلم شخص ما بسهولة أمام تحد ما يصمد الآخر بشجاعة مردها أن الأمر عابر وما زال هناك الكثير من الفرص. فما سبب اختلاف طبيعة هؤلاء الناس الذين يتغلبون على المواقف الصعبة ولا تقهرهم التحديات؟ وما العامل الذي يساعدهم على ذلك؟ يعزو خبراء علم النفس الايجابي ذلك إلى الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة ونفسر بها المواقف التي تواجهنا، حيث يلعب الأسلوب التفسيري للمواقف الحياتية دورا رئيسا في شعورنا بالسيطرة الشخصية أو العجز النفسي، ولذا فطريقة تفكيرنا ليست مجرد ردود فعل تلقائية للأحداث بل هي في الواقع قرار إدراكي يقود معنى هذه الأحداث، فإذا اعتقدنا أننا عاجزون عن أن نحدث تغييرات جوهرية تجاه أنفسنا وفي محيطنا فسنجد أنفسنا في حالة شلل متزايد عند التعامل مع مواقفنا الحياتية، وستصبغ حياتنا بنظرة تشاؤمية سوداوية. وقدم عالم النفس الشهير د. مارتين سليجمان في نظريته «Learned helplessness العجز المكتسب» توضيحا لذلك، وأن هناك ثلاثة أبعاد تشكل مثلثا من ثلاثة أضلاع يتحكم في الأسلوب التفسيري للمواقف ويصنع فرقا شاسعا بين شخصية المتشائم والمتفائل، ويسمى الضلع الأول «الاستمرارية»، فالأشخاص الذين يتملكهم اليأس بسرعة يؤمنون بأن السبب وراء حدوث أي مكروه لهم سيكون دائم الحدوث، وسيستمر لفترة طويلة ويدوم تأثيره على حياتهم، أما الأشخاص القادرون على مقاومة اليأس فهم يؤمنون بأن الأحداث العصبية مجرد أمر طارئ وزائل. ويختلف الأمر بالنسبة للمواقف السارة حيث يعد الأسلوب التفاؤلي في تفسير الأحداث السارة عكس الأسلوب التشاؤمي تماما، فالمتفائلون يرون أن أسباب الأحداث السارة في حياتهم ستكون مستمرة، بينما ينظر المتشائمون لتلك الأحداث بنظرة متوجسة لاعتقادهم بأنها صدفة عابرة قصيرة ومؤقتة. وحين يؤمن الأشخاص باستمرار الأسباب التي توجد الأحداث السارة، سيحاولون بجد تكرار استراتيجية هذا الحدث والتمسك بها، أما أصحاب القناعة المتشككة في إمكانية استمرار الفرص السعيدة والناجحة، فستعمل قناعاتهم على تشجيع اللامبالاة في استجاباتهم لاعتقادهم أن هذا النجاح ما هو إلا ضربة حظ طائشة. أما الضلع الثاني فهو «الانتشارية»، حيث ينشر المتشائم بغباء عدوى تعثره في مجال معين إلى بقية مجالات حياته وسامحا لفيروس اليأس بالانتشار لبقية أدواره الشخصية وكأنه يرحب باتساع رقعة إحباطه، بينما يحصرها المتفائل في مجالها المحدد فقط مانعا إياها من التأثير والتشويه على بقية حياته، ويستخدم المواقف السارة بانتشارية ايجابية، فيستفيد من ذبذباتها العالية وينشرها لتعزز وتقوي كل شيء يفعله. عندما يقع لأحدنا حدث سيئ تختلف أساليبنا في معالجته، فالبعض يلوم نفسه بعنف ويعتبر أن سبب الفشل داخلي تماما والآخر يشرك الآخرين أو الظروف الخارجية بنسبة ما في المسؤولية،، والناس الذين يجلدون أنفسهم دوما عندما يفشلون في فعل شيء ما فهم يقللون من شأن أنفسهم ويمنعونها من الشعور بالقدرة على الإنجاز، بينما يتميز أولئك الذين يضعون دورا ما للظرف الخارجية بأنهم أفضل في مخاطبة ذواتهم ولا يفقدون ثقتهم بأنفسهم إذا ما حدث لهم مكروه، وهنا يأتي دور الضلع الثالث المسمى «السببية» في عزو وتفسير المواقف الحياتية، فهل تعتقد أن سبب الفشل داخلي تماما أو تترك نسبة ما للخارج، وماذا عن النجاحات هل هي ضربة حظ خارجية الأسباب كما يدركها معظم المتشائمين أم أن لعاداتك وإصرارك دورا كبيرا فيها كما يؤمن بذلك المتفائلون. يبتلع مثلث العجز المكتسب حيوية الشخصية بخطورة أقوى من مثلث برمودا، ويرسل انذارا مفاده اننا مَنْ يصنع قيودنا او يحطمها حسب الإدراك الذي ننتقي فيه تفسيراتنا للمواقف، ويحذرنا من الاستسلام الاختياري لمصيدة العجز، ففي الحياة جمال كثير ينتظرنا ويذكرنا بمقولة جلال الدين الرومي: «هناك شمعة في قلبك تنتظر أن تُضاء، وهناك فراغ في روحك ينتظر أن يُملأ».