أكد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أحمد الخليفي الأسبوع الماضي التزام المملكة العربية السعودية بالإبقاء على ربط الريال بالدولار الأمريكي، وأن لديها الأدوات الكافية لدعم سياسة سعر الصرف الثابت. وأضاف إن المضاربات التي تحدث على الريال بين وقت وآخر في السوق الآجل مصدرها تكهنات غير دقيقة، وسبق للمؤسسة أن أكدت في مناسبات مختلفة الاستمرار في سياسة سعر صرف الريال الحالي وأن لديها الأدوات الكافية لدعم سعر صرف الريال، منوهاً إلى أن سياسة سعر الصرف الثابت والمتبعة منذ أكثر من ثلاثة عقود كانت ولا تزال رافدا هاما لدعم اقتصاد المملكة. وقبل التوسع في موضوع سياسة ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي نتوقف قليلا أمام تأكيد محافظ مؤسسة النقد على امتلاك الأدوات الكافية لدعم سياسة سعر الصرف الثابت. وتتمثل هذه الأدوات في ثلاثة أنواع. الأولى هي القيام بتوفير تسهيلات متنوعة الأشكال لشراء وبيع العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي بسعر الصرف الرسمي مع الالتزام بوجود سعر صرف واحد للعملة سواء لدى البنوك أو محلات الصرافة وتوفير العملات الرئيسية المقابلة له بالكميات المطلوبة. والثانية هي قيام المصرف المركزي بتقديم خدمات الإيداع والإقراض بالعملة المحلية وبالعملات الأخرى لكافة البنوك المرخص لها. وتعد أسعار الفائدة على التسهيلات التي يقدمها المصرف الأسعار الرسمية والأساسية لسياسة المصرف المركزي الذي بدوره يوجه أسعار الفائدة قصيرة الأجل في سوق المال، والذي يؤثر على الودائع والقروض التي تقدم لعملاء المصارف. والثالثة هي قيام المصرف المركزي بإلزام البنوك بإيداع احتياطي إجباري لدى المصرف بنسبة معينة من جميع ودائع العملاء بدون اي فوائد، حيث تسهم نسبة الاحتياطي في ضبط نسبة السيولة في القطاع المصرفي. أما فيما يخص ربط العملات الخليجية بالدولار، فبداية لابد من التوضيح بأن مسألة التفكير فى فك ارتباط العملات الوطنية بالدولار قضية لا تخص دولة خليجية بعينها وإنما هي قضية خليجية مشتركة كثيرا ما تطرح للنقاش على الساحة الخليجية بين الحين والآخر ومع اتجاه الدولار الأمريكي للهبوط مرات ومرات أخرى اتجاهه للصعود. وقد كان للخبراء والمحللين الاقتصاديين آراء متباينة من تلك القضية، فقد انقسموا ما بين معارض لفك الارتباط ومؤيد له. إذ يرى الفريق المعارض لفك الارتباط أن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار لن يخدم الأهداف الكلية للاقتصاديات الخليجية ومعالجة معدلات التضخم فيها على المدى القريب، مؤكدين أن العملة الخليجية الموحدة حال إقرارها ستجعل من دول الخليج سوقا مشتركة وتعزز التكامل الاقتصادي وتعمل على تنشيط التبادل التجاري وتساعد على إلغاء الحواجز الجمركية وتؤدي إلى توحيد السياسات المالية. كما يرى هؤلاء أن فك ارتباط العملة الأمريكية بالدولار فرضه كون سلعة التصدير الرئيسية لدول المجلس هي الدولار الأمريكي ما يعني ارتباط قيمة الإيرادات النفطية الفعلية بقوة الدولار في السوق العالمية. وفي الوقت الحاضر يتمتع الدولار بوضع قوي نتيجة الأداء الأفضل للاقتصاد الأمريكي بالمقارنة مع الاقتصاديات الأوروبية. وتستفيد الاقتصاديات الخليجية من تحسن قيمة الدولار في تحسن قيم عملاتها أمام العملات العالمية الأخرى مما يخفض القيمة الفعلية لوارداتها من هذه الدول ويرفع قيمة صادراتها. كما إن ربط العملة يمكن دول المجلس من سهولة إدارة سياساتها النقدية. كما أنه يخدم أيضا تعزيز المصداقية والشفافية في السياسة النقدية، وبالتالي تحقيق الاستقرار المالي. كما أن ارتباط الدخل الأساسي لدول المجلس بسلع مقومة بالدولار الأمريكي فى التجارة الدولية منها المنتجات النفطية والألمنيوم والبتروكيماويات ومشتقات الغاز والتي تمثل أكثر من 90 بالمائة من القيمة المضافة فى قطاع الصناعة التحويلية يعتبر سببا رئيسيا في ذلك الربط. بينما يرى الفريق المؤيد لفك الارتباط أن ذلك من شأنه أن يقوي العملات المحلية ويساعد على استيراد مزيد من الواردات ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة في حالة انخفاض قيمة الدولار خاصة أن دول الخليج خسرت مليارات الدولارات جراء تراجع الدولار أمام العملات الأجنبية بعد الأزمة العالمية عام 2008، مؤكدين أن ارتباط العملات الخليجية بالدولار محفوف بالمخاطر بسبب عدم استقرار العملة الأمريكية ولافتين إلى أن ربط العملات الخليجية بسلة عملات يحقق الاستقرار والمرونة ويطور أسواق المال ويمهد لإيجاد علاقات متبادلة بين الدول الخليجية تكون قائمة على أسس متينة وكذلك مع الدول الخارجية الأخرى. كما ان تنوع هيكل صادرات وواردات الدول الخليجية يخضع قيم هذه الصادرات والواردات لتقلبات شديدة مع تقلب قيمة الدولار أمام عملات الدول التي تصدر وتستورد منها دول المجلس، حيث برزت قبل عدة سنوات ظاهرة التضخم المستورد في الأسواق الخليجية. كذلك على المدى المتوسط ومع إقدام الولاياتالمتحدة على خطوات متدرجة لرفع سعر الفائدة خلال العام 2017 مع مواصلة تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي، فان ذلك سوف يعني تأجيج وضع الدورة الاقتصادية بين الطرفين الأمريكي والخليجي أي يوسع الهوة بينهما عندما تضطر دول المجلس نتيجة لربط عملتها بالدولار للقيام برفع مماثل لأسعار الفائدة لديها مما يخلق تناقضات في متطلبات السياسة النقدية، حيث إن دول المجلس يفترض أن تسعى في المدى المنظور لإبقاء سعر الفائدة المصرفية منخفضا لتشجيع الاستثمار والتمويل وذلك لمحاربة تداعيات انخفاض الإيرادات الحكومية على الأنشطة الاقتصادية ولكن ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي سوف يحول دون ذلك. كما ان رفع أسعار الفائدة على القروض المصرفية من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التمويل على الشركات ما سيؤثر بدوره على ربحيتها وأدائها على المدى الطويل، كما سوف يحد من قدرتها على الحصول على تمويلات لتمويل المشاريع التي سوف تنفذها. برغم ان هذا كله ينطوي على دعوات واضحة لإعادة النظر في السياسات النقدية الخليجية، فنحن نتفق مع رأي الكثير من الخبراء والاقتصاديين بشأن صعوبة فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار؛ نظرا لكون العملة الأمريكية هي العملة الرئيسية في العالم، خاصة في ظل وجود شبه توحيد للمعايير المتعلقة باحتساب قيمة العملة، وهو ما يساعد في استقرار أسعار الصرف بين أغلب عملات دول الخليج.