في ظل مجتمعات تغيب عنها الأخلاقيات قد تتفشى كثير من السلوكيات التى تنبت كنباتات خبيثة فى أرض قد أصبحت مجالا خصبا لها، فكثير من الظواهر السلبية قد تنمو وتترعرع كلما كان المجال المصاحب لها يساعدها على ذلك، والمجتمعات البعيدة عن الدين والأخلاقيات هى دوما البيئة المناسبة لمثل هذه الظواهر، والجريمة الإنسانية اشد وطئا من أى فعل مجرم آخر فالجريمة الاخلاقية هي الاقوى بلا شك وتؤثر كثيرا وتفت في عضد المجتمع حينما تكون بشكل فردي أما وأن تصبح بشكل جماعى فهنا لا يفيد أى إصلاح أو علاج مؤقت لأن انهيار القيم الاخلاقي بشكل جماعي لا يصلح معه إلا الاجتثاث. ومن المظاهر السلبية فى تلك المجتمعات الغش والخداع على كل المستويات، سواء كان خداعا في المشاعر أو الفكر أو في السلوك أيا كان الغرض المباشر، وإذا كان الخداع يهدف فى الاصل الى تحقيق مكسب فهو أقسى وأبشع إذا تصور فى هذه الصورة. وقد جرمت القوانين الغش والخداع أو بمنطق القانون يمكن تسميته بالنصب أحيانا وقد عرف القانون النصب على أنه استعمال وسائل احتيالية بغرض التأثير على الآخرين، فهنا المعنى واضح بأنه استغلال حالة الشخص بالثقة بأن نعطيه من الإشارات والوسائل التى تجعله يصدق ما نعرضه عليه وهذا بغرض إيهامه بشيء على غير الحقيقة. واستعمال الوسائل الاحتيالية وهى فى معناها إعطاء معلومات غير حقيقية، هو فعل مجرم قانونا ولكن قبل النظرة القانونية فهناك النظرة الأخلاقية والقانونية التى يجب أن ينظر اليها هذا الشخص المحتال او المخادع، ولكن الوازع الدينى والأخلاقى غير متوفر من الاصل. الأمثلة كثيرة فى هذا المجال وأشهرها فى الوقت الحالي على سبيل المثال الدعايات لسلعة ما وخاصة في الاجهزة الإعلامية كالتليفزيون فقد يتم عرض سلعة ما بشكل جميل ومنسق وبعرض مغر، ولكنها قد تكون على غير الحقيقة، فقد يكون هناك تدليس وبعدة صور، فقد يتم عرض منتج أو سلعة أخرى أفضل وقد يكون تأثير الكلمات الرنانة هو الوسيلة وذلك اعتمادا على أنك لا تستطيع لمسها أو رؤيتها عن قرب إلا بعد أن تدفع ثمنها وتصل إليك. وقد يكون استعمال المبالغة فى الوصف هو السبب كإعلان بعض الشركات الوسيطة مثلا عن سوق تداول العملات.. فقد يتم تصوير الأمر على أن هناك ربحا مطلقا وبلا حدود في حين أن الحقيقة أنها عمل كأي عمل يحتاج إلى جهد وتركيز ودراسة للنجاح فيه بشكل حقيقي. أما ظواهر الإساءة للمجال التي قد يفعلها البعض وتسيء للأغلبية فالتاجر السيئ الذى يلجأ إلى مثل هذه الطرق قد يسيء إلى تجار آخرين لم يتناولوا أو يستغلوا هذه السبل فهو مثال سيئ يحقق مكاسب أحيانا على أنقاض مبادئ التجارة الشريفة ويلصق تهما كثيرة بأناس هم أبعد ما يكونون عنها وذلك لأنه لم يفكر إلا فى الربح وليس فى طريقة الربح. النظر إلى الأمر من الناحية الدينية أيضا من المهم بمكان، حيث إن الأديان كلها تتفق على أن الرسالة الأولى هي إرساء القيم المجتمعية وأن الإنسان ليس كائنا وجد ليعيش بمفرده وما دام العالم يتسع للجميع فيجب ان يحرص على علاقاته معهم ومن هنا جاء الواجب الأخلاقي على الفرد تجاه الاخرين، فالسلوك الأخلاقي مبني على فكرة دينية والأديان إذ تحرم الغش والخداع ليس فقط من اجل تحقيق مكاسب أو أرباح فهي ترفض فكرة الغش والخداع بشكل مطلق والآيات القرآنية تحدثت عن ذلك العديد من المرات وفى مواضع عدة فقط أذكر بالآية الكريمة لقوله تعالى ((وأوفوا الكيل والميزان بالقسط)) فهو أبسط مظاهر الغش. إن المجتمعات لا تقوم على انقاض الأخلاق بل إن الاخلاق هى التى تقيم المجتمع وتعالج إنحداره وتدنيه ومثل هذه المظاهر السلبية التى هى للاسف منتشرة، فيها الدليل القوى عن البعد عن الدين والأخلاق، فالمجتمعات تقاس درجات تطورها وتحضرها بما فيها من أخلاق لأنها أصل كل شيئ ومرده. يجب علينا أن نراعي ديننا وأخلاقنا فى تصرفاتنا وسعينا إلى الربح والمكاسب ولا ينبغي أن يكون عن طريق الغش والخداع فهي مكاسب زائلة ومن لا يخاف الله فقط هو من يعتمد على مثل هذه الطرق لأن الخوف من الله وازع قوى يمنع الإنسان وينهيه عن الخوض فى أشياء حتى وإن جلبت ربحا سريعا فهو إلى زوال، علينا أن نتقى الله فى وسائلنا وأن نعمل على التطهر وأن ننأى بقيمنا وأخلاقنا وديننا عما يودي بنا إلى هلاك دنيوي وأخروي.