الغش وما أدراك مالغش الذي أصبح كارثة أخلاقية غذت المجتمع من كل أطرافه فأيبستها وخلقت الخوف والريبة في النفوس من أي شيء وكل شخص. وكلنا نعرف أنه خلق ذمه الله عز وجل وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، في قوله تعالى: (ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسِرون)، فهذا وعيد شديد للذين ينقصون المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟ إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان. وقد سرنا على الهدي النبوي الوارد سنين طويلة في حديث النبي صلى الله عليه والسلم (من غشنا ليس منا) نردده منذ طفولتنا ونحن ذاهبون وغادون بحقيبة الكتب المنتفخة ونجده مكتوبا في أروقة المدارس والحوانيت، والأسواق، حتى رسخ محفورا بالنور في أذهاننا وسلوكياتنا بصفة عامة ولا ندعي المثالية هنا بل نقر حقيقة ماكان. كنا نعيش ونبيع ونشتري بكلمة صدق كانت بمثابة السيف المسلط علي كل تعاملاتنا وننفذها برضى ومحبة. وكان يستحي اللتاجر والحرفي والرجل والمرأة والطفل من أن يغش جاره أو قريبه أو ابن حارته أو ابن السبيل وكثير ماكنا نسمع ما أغشك ترى البيت أو السلعة فيهما عيوب. فما الذي حدث لمنظومة كبيرة من القيم في المجتمع حيث أضحي كل شيء مغشوشا ابتداء من المشاعر والعواطف والعلاقات بين الناس إلى الاكل والشرب والماء، ناقص الهواء ونخاف أن يلحق بهم هو الاخر. وأصبح لها مظاهر متشابهة ومتعددة نسمع عنها ونعيشها ونكتوي بها في السنوات الاخيرة ابتداء من المساهمات العقارية الزائفة التي أكلت الأخضر واليابس وقضت على أحلام الطبقة المتوسطة في امتلاك سكن معقول. إلى السلع المتهرئة نخب صفر في بلاد المنشأ، إلى كميات الطعام الفاسد الذي يصادر يوميا من كافة المناطق حنى أصبح المرء يخاف من اللقمة قبل أن تدخل جوفه وقطعة الغيار قبل أن يركبها في سيارته ومكيف الهواء قبل أن يضعه في منزله. فما الذي سرع في اهتراء القيم واهتزازها في النفوس بهذة الطريقة الملحوظة، فهل تضاؤل الوعي الديني بأهمية الحقوق وإقرارها في المجتمع كخط أحمر وأساسي أقره الشرع وحصنه بحدود لاتتغير بالزمان والمكان. أم لتراخي الأخلاق وتنامي الطمع والأنانية وسيادة الأنا وانتفاخاتها على حساب الآخرين في صور من الجشع الصارخ المريض. أم بريق الثروة والشهرة الذي أصبح مقياسا أساسيا للبشر بديلا للعلم والأخلاق وغيرها وتمشيا مع مفهوم قل لي ماتملك أقل لك من أنت وكم احترمك أو استصغرك. أم غياب القوانين الرادعة أو عدم تفعيلها لأسباب كثيرة متداخلة على رأسها غفوات الضمير، وتفسيرات القوانين المجيرة، ومبدأ أمسك لي واقطع لك، ودرج المكتب المفتوح، وحق الشاي. إنها ياسادة كل تلك الاسباب وغيرها المسؤولة عن خلق حالة الاهتزاز القيمي تلك التي نعيشها. فإذا كنا لانستطيع التحكم كثيرا في قولبة السلوك البشري في العلاقات الاجتماعية التي تبدأ من الاسرة امتدادا للمدرسة والمجتمع. فعلي الاقل نحاول أن نضبطه في المعاملات التجارية واليومية التي تمس الاحتياجات والخدمات الأساسية بتفعيل قوانين صارمة تجرم الغش والخداع والتزوير وتشهر بمن يتبناه سلوكا هادما في المجتمع على كل المستويات. فلما نخشى التشهير بمن يضر بالآخرين عنوة وقد أثبتت تجارب المجتمعات أنه من أنجع الوسائل التي تحد من ظاهرة الغش المنحرفة التي تخترق القيم الاجتماعية وتشوهها بسلوكيات مرضية تزيف الواقع الاجتماعي لحساب المصالح الشخصية.. وإذا كانت المساجد دور عبادة وعظة لابد أن تتماس مع تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع فأين دورها في مكافحة الظواهر السلبية في المجتمع والغش على رأسها بكل أشكاله والتأكيد على قيم الدين والحق والفضيلة. لنبدأ بأنفسنا وأسرنا وأولادنا نبحث ونجتهد ونستقصي لإحياء قيمنا الاخلاقية التي عشنا وتربينا عليها من جديد وليس الأمر سهلا ولا بسيطا ولكنه يستحق العمل عليه وله وفيه.