تعد الإنتاجية المحدد الأساس في المنافسة الاقتصادية العالمية، فلا يمكن لدولة أن تكون منافسة في الأسواق العالمية إذا كانت إنتاجيتها منخفضة وغير منافسة لغيرها. ولا بد من تعريف الإنتاجية في مقدمة مقالي قبل الحديث عن المجتمع السعودي من حيث إنتاجيته في الألفية الثالثة، خاصة في ظل استراتيجية التحول من الاعتماد على البترول كمورد اقتصادي حيوي في ميزانية الدولة إلى المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص في تنويع مصادر إجمالي الناتج الوطني. يرى علماء الإدارة والاقتصاد أن الإنتاجية هي الكفاءة الإنتاجية والتي تعني أن الأفراد والمنظمات تستفيد من الموارد المتعددة المتاحة لديها بدرجة كبيرة، بحيث تنتج أكبر كمية من السلع أو الخدمات بأقل ما يمكن من هذه الموارد المتاحة وبأقل التكاليف. وببساطة يجب أن تكون القيمة المضافة للمخرجات أعظم بكثير من قيمة المدخلات. فعندما ننتج كمية كبيرة من الوحدات الإنتاجية بقيمة سوقية كبيرة وبكمية قليلة من المدخلات وبتكلفة منخفضة نكون قد حققنا إنتاجية أفضل. وبصفة عامة يعد المجتمع السعودي غير منتج بالمستوى المأمول مقارنة بالمجتمعات الأخرى في الدول المتقدمة والدول النامية. الحقيقة أننا نعتمد على المنتجات الأجنبية التي تنتج في دول أخرى ذات إنتاجية مرتفعة ومنافسة عالية. المجتمع السعودي استهلاكي لا ينتج معظم ما يستهلك، حيث يعتمد على المنتجات الأجنبية ولا يصنع أساسيات حياته من السلع. عناصر عديدة تساهم في الإنتاجية المنخفضة للمجتمع السعودي. وأبدأ من الأسرة التي يرجى منها تنمية حب العمل وقيمه واخلاقياته بين أفرادها. تلعب الأسرة دورا أساسيا في تربية الطفل منذ السنوات الأولى في حياته. وتعتمد الأسرة في تربية الطفل على خادمة أجنبية تجلب له كأس الماء والطعام وتلبسه الملابس وتستقبله من الروضة والمدرسة، لذلك يتعلم منذ نعومة أظفاره الإتكالية والاعتماد على الخادمة في حياته. يتعلم الطفل أن كل شيء يجب أن تقوم به الخادمة ولا تعصي له أمراً، فهو الآمر الناهي في المنزل. المسافة كبيرة بين الطفل ووالديه فلا يراهما إلا لساعات قليلة في اليوم مما يجعل حياته تتشكل بالاتكالية على يد الخادمة. كثير من أفراد جيل الطفرة البترولية وما بعدها تعودوا على الاتكالية. ولقد كان للطفرة البترولية تأثير سلبي على كثير من الناس، فقد غيرت مفاهيم وقيم العمل لديهم من الأفضل إلى الأسوأ، وتراجعت قيم العمل العالية التي ميزت آباءهم وأجدادهم عنهم وساهمت في صناعة البترول وجعلت المملكة من أقوى دول العالم اقتصاديا. لم يساهم النظام التعليمي في ترسيخ مفاهيم العمل والمهنة وبالتالي انخفضت انتاجية بعض أفراد المجتمع. ولقد انتشرت ثقافة التقوية الدراسية من قبل بعض المعلمين الذين همهم جمع المال، بل انتشرت ثقافة الغياب عن المدرسة والأحوال المناخية التي يستغيث بها الطلاب لتبرير عدم حضورهم للمدرسة. وأصبحت «ثقافة تعليق الدراسة» منتشرة بين الطلاب، بل يوافقهم في ذلك أولياء أمورهم والمعلمون والمعلمات. ولابد من الإشارة إلى أن مخرجات التعليم لا تتوافق بالمستوى المأمول مع متطلبات سوق العمل مما يؤثر سلباً في الإنتاجية. ولقد ساهمت ثقافة التكافل الأسري الإيجابي في سلبية مفهوم العمل والإنتاجية المنخفضة، وذلك عندما يعمل شخص أو شخصان من أفراد الأسرة لمساعدة بقية أفرادها بينما بعضهم قادر ومؤهل للعمل لكنهم لا يقبلون إلا بعمل معين وراتب معين، لذلك يستغلون الأعضاء المنتجين في الحصول على المال والأكل والشرب مما ساهم في خفض الإنتاجية واجمالي الناتج المحلي. الخلاصة من الضرورة ترسيخ قيم العمل والانتاجية من خلال الأسرة والنظام التعليمي والجهات الحكومية المعنية بالعمل. وبالنسبة للأفراد المنتجين أرى أهمية تحفيزهم ومكافأتهم ليزداد تأثيرهم الإيجابي في منظومات العمل وليصبحوا قدوة لغيرهم. الإنتاجية تزيد عندما يكون الشخص المناسب في العمل المناسب الذي يتفق مع قدراته ومعرفته ومهاراته. المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ومراكز التدريب معنية بتأهيل المواطنين علمياً وتدريبياً ليصبحوا منتجين من خلال مهاراتهم العالية. وللاعلام دور كبير لا نغفله في نشر ثقافة العمل وقيمه والإنتاجية وأثرها في الوطن والمواطن.