عبدالرحمن العليان مال - السعودية تُعرف الأسرة المنتجة –حسب الغرفة التجارية بالرياض- بأنها تلك الأسرة التي تنتج مشروع يدر عائد مادي ودخل مستقل قابل للزيادة, وغالب مشاريع الأسر المنتجة تدار من قبل المرأة السعودية التي تحتاج أو ترغب بالعمل من المنزل. هناك العديد من الجهات التي تدعم مشاريع الأسرة المنتجة مثل البنك السعودي للتسليف والادخار والغرف التجارية وبعض البنوك التجارية, بل إن هناك جهات خيرية تقوم مشاريعها على دعم الأسر المنتجة مثل جمعية كفاف و جمعية البر وغيرهما. لاشك أن هدف هذه المشاريع نبيل وهو المساهمة في تأمين دخل للأسر المحتاجة, وتشجيع الأسر على بدء مشاريع تجارية خاصة بهم. لكن يبقى هناك تساؤل حول مفهوم الأسر المنتجة, وهل هو منحصر فقط في المشاريع التجارية؟ وهل أصبح العائد المادي المستقل معياراً للأسرة المنتجة؟. الأسرة كانت ومازالت هي الوحدة الانتاجية الاقتصادية. ففي عصر ما قبل الثورة الصناعية, كان استعمال التقنية في الانتاج محدود, وكانت نسبة وفيات الأطفال عالية, وكانت الأسرة المنتجة هي التي تمتلك عدد من الأشخاص الأصحاء القادرين على العمل والانتاج. بل, كان الأبناء الأصحاء القادرين على العمل من الأصول والمدخرات التي تتميز بها العوائل الغنية والمتوسطة. تغيرت المعادلة نوعاً ما بعد الثورة الصناعية والتقنية, فتحولت الأسرة من وحدة انتاجية إلى وحدة استهلاكية بحد كبير, وتطورت سبل الانتاج فبدلاً من الاعتماد على الأشخاص, أصبح الاعتماد على الآلات التي سهلت كمية وكيفية الانتاج. كما تحول أفراد الأسرة من أصول ومدخرات إلى خصوم وحمل مادي (على الأقل محاسبياً) على كاهل الأسرة. حتى تستطيع الأسرة استعادة دورها الانتاجي, تحتاج إلى بذل مجهود أكبر من خلال تهيئة أفرادها للمشاركة الفعالة في الانتاج. على سبيل المثال, في السعودية هناك حاجة ماسة للأطباء والمهندسين حيث تحتاج السعودية قرابة ال80 ألف طبيب وتحتاج إلى قرابة ال 50 ألف مهندس بحلول عام 2050م في مختلف المجالات الطبية والهندسية. الأسرة السعودية ستكون منتجة و خادمة للاقتصاد عندما تساهم في تهيئة الظروف لأفرادها وأبناءها للدراسة في هذه المجالات. العديد من الدراسات و الأبحاث التي أجريت على مدى تأثير الأسرة على أبناءها واختياراتهم. يذكر كتاب " التعلم للعمل: كيف ينتهي أبناء الطبقة العاملة في وظائف الطبقة العاملة" Learning to labor: How working class kids get working class jobs للكاتب بولز ويلز نتائج بعض الأبحاث التي أشارت إلى قوة تأثير الأسرة والأبوين وطريقة حياتهم خصوصاً على أبناءهم وعلى شخصياتهم, وبالتالي على اختياراتهم الدراسية والوظيفية المستقبلية. بناء الشخصية وزرع القيم والمبادئ هو من أهم مواصفات الأسرة المنتجة. كثير من الدراسات أشارت إلى أن بناء الشخصية وزرع القيم يحدث في فترة مبكرة من عمر الطفل. أكثر ما يحتاجه سوق العمل والتجارة اليوم هو الشخصية التي تتسم بالاستقلالية و تحمل المسوؤلية والقدرة على التعامل مع المتغيرات, وقيم مثل الصدق والأمانة والإخلاص والمبادرة والانتاجية. تُقدر انتاجية الموظف السعودي في القطاع العام بحوالي 20- 25% حسب تقرير لجريدة المدينة , كما أن انتاجيته في القطاع الخاص متدنية حسب تقرير لوزارة العمل. لو تمكنت 20% من الأسر من زرع قيمة الاخلاص وحب العمل في أطفالهم, فقد يساهمون في تنمية الاقتصاد وانتاجية الجيل القادم بمازيد عن 50%. بالتأكيد فإن الأسرة لا تتحمل وحدها بناء الشخصية وزرع القيم والمبادئ, فالمدرسة والإعلام والمجتمع يؤثرون على ذلك بشكل كبير, لكن يبقى للأسرة التأثير الأكبر خاصة في السنوات المبكرة للطفل, حيث أشار الباحث جيمس بالدون أن التأثير الكبير للأسرة يأتي من القدوة: فمهما علمت طفلك على الصدق وفضله, فلن يلتزم الصدق إذا كان الكذب عادة المنزل. سعي الأسر وراء مشاريع تجارية لضمان دخل يعفهم عن السؤال والحاجة هو سعي رائع وجهد طيب, لكن لا ينبغى أن يكون ذلك على حساب بناء الأسرة وتربية الأبناء, فما زالت السعودية تعاني اقتصادياً من تكلفة الأفراد الغير منتجين والذين يمثلون عبئاً على الوطن وعلى المجتمع. إن اختزال مفهوم الأسرة المنتجة بالمشاريع التجارية التي تدر عائد مادي فيه ظلم لدور الأسرة الكبير التي من الممكن أن توديه لخدمة الاقتصاد والوطن. كما أن اختزالها فقط في الأسر المحتاجة يحتاج إلى اعادة نظر حيث أن كل الأسر تحتاج إلى أن تكون منتجة من خلال تربية أبناء مؤهلين بشخصيات وقيم تستطيع أن تقدم قيمة مضافة للاقتصاد والوطن. alolayana@