الانقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا مؤخرا، نزع من القوات المسلحة الهيمنة لحفظ الدمقراطية، والتي كانت يعتريها الكثير من النقص، من أن الجيش يستطيع الانقضاض على السلطة، بحكم القوة التي يمتلكها، وقد أسقط حكومات سابقة أكثر من مرة. إلا أن نزول الشعب التركي بهذه الطريقة كان العامل الأهم الذي صنع الفارق، لم يكن بنزوله واصطدامه مع الانقلابيين يدافع عن أردوغان وحكومته، بل كان يدافع عن حقه في تقرير مصيره، وعن صوته في تقرير مستقبله ومستقبل بلاده، ليصبح الجيش مؤسسة خاضعة للسلطة المدنية وليس مصدر تهديد لها، كما حصل في انقلاب عام 1980م الذي قاده الجنرال كنعان إيفرين وكانت حصيلته كالتالي: اعتقال 650 ألف شخص، وإصدار أحكام بالإعدام على 517 شخصا وتنفيذه في خمسين منهم، وفصل 30 ألف شخص من وظائفهم، وتجريد 14 ألفا من الجنسية التركية، وترحيل 30 ألفا إلى خارج البلاد، ووفاة المئات تحت التعذيب وتعرض العشرات للاختفاء القسري، وحبس عشرات الصحفيين، مؤكدا هذا الشعب الأبي، أنه بات الرقم الصعب في العملية السياسية الجديدة. كذلك أحزاب المعارضة لم تكن أقل تشددا ضد الانقلاب، لمعرفتهم أن حكم العسكر سوف يقضي على الديمقراطية الحقيقية، التي عرفوها ومارسوها في مواجهة الحكومة الحالية، مما جعلهم يقفون صفا واحدا مع الشرعية. كذلك رفض دول الجوار الانقلاب، باعتبار أن استقرار تركيا هو مصلحة إقليمية لجميع الدول في الشرق الأوسط، بوصفها قُطرا يحكم بواسطة رئيس جمهورية حكومة منتخبة من الشعب، وأن انهيار دولة بحجم ومكانة تركيا، ليس من مصلحة دول المنطقة، وأن استقرارالحكم في أنقرة من الثوابت الأساسية الضرورية للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وهذا مما يضاعف المسؤولية على الرئيس التركي، في حسن التعامل مع الأوضاع الراهنة في بلاده، بألا يتحكم به حب الانتقام، أو محاولة الانفراد بالسلطة، وتهميش الذين وقفوا إلى جانب الشرعية، ضد الانقلابيين، مما يتطلب إبداء الاحترام للمعارضين وبناء دعم مشترك للأهداف الوطنية المشتركة، ومن ضمنها احترام النظام الديمقراطي. خصوصا أن المعارضة تمثل حوالي نصف السكان، الذين يمثلون الأحزاب العلمانية في تركيا. أما بالنسبة لدول الغرب فإنها بحاجة إلى شراكة حقيقية مع تركيا قائمة على تحسين التعاون في مجالات الأمن ومكافحة «الإرهاب» ومساعدة اللاجئين، والتعاون في حل مشاكل المنطقة. وهذا يؤكد أن فشل الانقلاب، يصب في مصلحة تركيا حكومة وشعبا، وبالتالي السلم والأمن العالمي بصفة عامة.