ماذا لو رأيت يا هيفاء وأنت على فراش المرض تلك الرسائل عددها ومضمونها التي تتحدث عنك وعن وضعك الصحي الحرج والتي لم تترك جوالاً إلا وصلته ولا قلباً إلا أثرت فيه حد الوجع ؟! ماذا لو أحسست وجسدك المنهك الذي أتعبه المرض وأضناه السقم تلك المشاعر الإنسانية الثائرة تعاطفاً ومؤازرة وتعاضداً مع حالتك المرضية المتأخرة؟ كيف ستصفين يا هيفاء أولئك الذين تأثروا لمرضك وحاجتك لفصيلة دم معينة قبل أن تجرى لك العملية الخطيرة فقدموا للتبرع وكأنك واحدة من بناتهم وأهلهم وأقاربهم؟. صدقيني يا هيفاء انك لو رأيت تأثر الناس في المجتمع الأحسائي نساءً ورجالاً صغاراً وكباراً بفاجعة موتك بعد إجرائك العملية الجراحية لاكتفيت بهذه المشاعر عوضاً عن مر السنين وألم اليتم ودموع الزمن ولرفرفت رياحين الفرح في قلبك الضعيف الحزين ما حييت. ماذا لو شاهدت يا هيفاء تلك الجموع التي تنادت وقدمت من مختلف أرجاء الأحساء لتكتظ الطرق المؤدية إلى المقبرة ويتدافع الناس لحمل جسدك المسجى ويتزاحمون على إهالة التراب على قبرك المسكون بمحبة الناس؟ أبداً لم تكوني يتيمة فمن شاهد ذلك الجمع المهيب ثم تلقي من حضروا جنازتك للتعزية ليعجب أشد العجب فمن ينتقل للرفيق الأعلى يعزى أهله والأقربون منه فقط لكنك يا هيفاء كنت فقيدة لكل من حضر فالكل كان يتلقى التعزية فيك يذرفون الدموع على فراقك. يا الله كيف نطلق على هذه الفقيدة يتيمة وجميع الأحسائيين كانوا أهلها ذلك المساء الصيفي الحزين؟ لا لست يتيمة أيتها الفقيدة الغالية وكل من حضر ومن لم يحضر اعتبرك ابنة أو أختا أو قريبة له؟ لا أعرف ولم أطلع على ملابسات الموضوع ولكن يقال ان يتيمة الأحساء كانت تقدم الرجاء تلو الرجاء للمسئولين؛ كي يعجلوا بعلاجها والكشف عن حالته بيد أنها لم تصل إلى المستشفى إلا في وضع متأخر بعد أن ساءت حالتها وتدهورت هذا ما ينقل ويقال، لكنني على يقين أن التحقيقات التي ستأخذ مجراها سوف تتمخض عن معرفة المتسبب والمقصر ومحاسبته لأجل ألا تتكرر مثل هذه الحالة المأساوية. تركت أيتها المسكينة هذه الدار الفانية لتكوني - إن شاء الله - في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، سيعوضك الله خيرا من هذه الدنيا وما فيها. الجموع الغفيرة حين حملوك وأهالوا التراب عليك بعد أن أنزلوك في القبر بكفنك الأبيض لا.. لم يكن كفناً بل كان ثوب زفاف لك في أول منازل الآخرة حيث السعادة الأبدية وذلك رجاؤنا من الله سبحانه فمعاناتك ومرضك وموتك يا هيفاء ودعوات المئات من المسلمين الحاضرين لن يخيبها أكرم الأكرمين. كنت يتيمة يا هيفاء وفي ظرف بضع أيام كان كل أهل الأحساء أهلاً لك.. نعم كلهم كانوا أهلك ومحبيك ومودعيك. ستبقين حية في قلوب الأحسائيين وفي ضمائرهم النقية. طبت أيتها المسكينة اليتيمة الفقيدة حية وميتة.