تنتشر ظاهرة الإسراف في المناسبات العامة والخاصة وعلى رأسها حفلات الاعراس وما تتطلبه من تكاليف استئجار قصور الأفراح الباهظة مع العشاء الفاخر بكميات كبيرة لا يأكل الناس فيه إلا كميات قليلة، ثم يذهب معظم الطعام إلى صناديق القمامة.. فهذه الحفلات ظاهرها الوجاهة، وباطنها ديون تعسير تجر خلفها معضلات تصل بعضها بعضاً، يعاني منها المجتمع؛ فهناك ديون وغلاء مهور يسببان عزوف الشباب عن الزواج وعنوسة فتيات، وهناك مشاكل وخلافات داخل الأسر على تلك الترتيبات، ناهيك عن محرقة مصغرة للأموال في منازل المدعوين استعداداً لتلك الحفلة. ويحدث كل ذلك رغم فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والافتاء بعدم جواز الإسراف في الأفراح، ويتمثل الإسراف في الأعراس من حفل وولائم قد تصل إلى درجة التباهي والتفاخر ما قد يزرع في الأكل والشرب نوعا من التنافس بين الناس.. «اليوم» رصدت ظاهرة الإسراف في حفلات الزواج، والتفاصيل في سياق الاستطلاع التالي: وليمة العشاء في البداية، يقول فهد الغامدي: «حضرت زواجا لأحد الأصدقاء، ورأيت الحضور لم يتجاوز ستين شخصا، فسألت صاحبي ابو العريس عن مدى استعداده لوليمة العشاء فأجابني: بأنه ذبح عشرين خروفا «وقعودا»، وحينما جهز العشاء ودخل الضيوف إلى صالة الطعام رأيت ما هالني، فكان هناك عدد كبير من الموائد لم يكن عليها احد، بينما بعضها يوجد عليها طفلان أو ثلاثة، ناهيك عن الفاكهة والعصيرات، فسألت صاحبي لِمَ كل هذا التبذير والإسراف؟، فأجاب: انه كان يتوقع أن يكون عدد الحضور أضعاف ذلك العدد». تكاليف الزواج ويقول أحمد آل صالح: «ربما أكون أحد المعنيين بموضوع حفلات الزواج وفواتيرها، التي تنهب جيوب الشباب.. فبالنسبة لي شخصياً وأنا أخطط للزواج في هذا الصيف، أستطيع أن أعكس تجربتي في تقديرات تكاليف الزواج، التي لا تقل عن مائة وخمسين ألف ريال.. فالكثير من الشباب لا يستطيع دفع مثل هذا المبلغ في وقتنا الحالي». صعوبة وتعقيد ويضيف آل صالح إن السبب الأساسي يعود للآباء، فبعضهم يعاملون بناتهم كسلع وهذا أمر غير محمود وهو ينافي سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، كما أن به الكثير من الصعوبة والتعقيد على الشباب، إضافة إلى زيادة نسبة العنوسة، فهناك الكثير من البنات في مجتمعنا الآن من العوانس أو مَنْ قاربن العنوسة. معتبرا أن الأب قد يشترط هذا المبلغ الباهظ لكي يثمّن بنته، أي ليوحي أن ابنته ليست برخيصة، وهذا ربما يكون فيه نوع من عدم الوعي، وطالب آل صالح من الآباء أن يضعوا سعادة بناتهم في أهم الاعتبارات بعيدا عن المغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج. تخطيط جيد ويقول سعد آل سعد: أحد أصدقائي قص لي مرة، أن رجلا ثريا، أعد وليمة العشاء لحفل الزواج عبارة عن تباسي كبار فيها جمال حاشيها خرفانا، مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى سيسأل هؤلاء المبذرين يوم القيامة عن هذه النعمة، كما في قوله تعالى: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)، فيما اكد عيضة الزهراني أنه وجد تخطيطا جيدا للوليمة ومصروفات الطعام وتبعاته، والتفكير بنعمة المال والابتعاد عن محاكاة الآخرين وجهلهم في الأعراس.. فسيوفر على الزوجين الكثير من المال قد يكونان في حاجته خلال أيامهم الأولى من الزواج. عادة منبوذة ويؤكد المواطن فايز الشمري أن الإسراف عادة منبوذة، ويقول: من فرحة الزواج تجد هذا الإسراف واضحا، فأقترح على أصحاب الوليمة إذا وجدوا ما يزيد على حاجات ضيوفهم، أن يتعاونوا مع إدارة القصر أو القاعة أو الاستراحة والجمعيات الخيرية، على توزيع فائض الوليمة على المساكين والفقراء من مواطنين ومقيمين، وهذا في اعتقادي حل مؤقت وليس حلا جذريا للمشكلة. أمر مؤلم ويقول المواطن علي هلال النعيمي ان الإسراف في تكاليف الزواج أمر مؤلم، لما ينتج عنه من إهدار للمال ومعصية لله ودلالة على عدم الوعي، ويفترض أن يكون هناك تنظيم وتحديد للمهور، والأكل والشرب وفساتين الزواج، وأن تمنع البلديات الموائد الكبيرة وتقديم الذبائح كاملة، وإنما تقطيعها إلى أجزاء صغيرة «ذبيحة لكل 8 موائد» من قبل البلديات، وذلك بمشاركة الشؤون الإسلامية والإفتاء، واستبدالها بموائد صغيرة في جميع قصور الأفراح. داء متأصل ويقول رجل عمره يناهز الثمانين عاما، عن الإسراف في حفلات الزواج: ان الإسراف ليس وليد اليوم، بل منذ زمن بعيد جدا، ومتأصل في نفوس الناس «ليش آل فلان يسون زواجهم كبير.. كمان إحنا نبغي نسوي زيهم هم مو أحسن مننا». ويتحدث خرصان اليامي قائلاً: «إن الإسراف في ولائم الزواجات واقع مريب، فقد رأينا البعض يقدم مائدة طولها تقريبا خمسة أمتار، وأنواع الأنعام من الإبل والغنم والتيوس فو الله انه محاسب على مَنْ فعلها، ورأيناه في وسائل التواصل الاجتماعي، فنرجو من أصحاب الولائم الخوف من الله ومراعاته في كل شيء، ونرجو من الله أن يتم نعمته علينا إنه سميع مجيب». وتساءل اليامي: عن دور الجمعيات الخيرية، في التنسيق مع أصحاب المناسبات بجمع الفائض وتوزيعه، فيجب عدم انتظار المبادرة من الطرف الآخر. فهل يعقل أن يتبرع الشخص بأثاثه القديم ونحوه ويطلب منه سائق الجمعية أجرة النقل؟ مخالفة صريحة ويرى سعيد القحطاني ان الإسراف ظاهرة لا بد من محاربتها أفراداً وجماعات، فهي أولاً مخالفة صريحة لما أمرنا الله به من الاعتدال، وثانياً هي من الأسباب الأساسية للغلاء وكلنا نشتكي من التضخم، وثالثاً وإن كانت عادة فالكثير من عاداتنا غيرناها عندما اضطررنا لذلك، فهل ننتظر لا سمح الله أن تنقطع النعمة لنغير عاداتنا، وهل نكون كمَنْ قال في القرآن: (وجدنا آباءنا على أمة)، ِلمَ لا نبادر في دعم «بنوك الطعام»، بل ِلمَ لا نتفق مع مورد الطعام على تجميع ما يبقى من طعام في أوعية مناسبة يتم توزيعها على المحتاجين.. بل ِلمَ لا تكون حفلات الزواج عبارة عن حفلات شاي؟. شقة فاخرة ويقول سالم آل عمر: «الأموال التي تصرف في زواج واحد تكفي لشراء شقة فاخرة للعريس يرتاح فيها من عناء الإيجارات، أقصد كل المبالغ التي تصرف من أجل العرس سواء من أهل العريس أو العروس أو المدعوين، ويشمل ذلك إيجار القاعة والأكل والشرب والملابس والمكياج، وأجور الكوافير والمطربة أو الطقاقات والمباشرات، فماذا لو أن هذه الأموال جمعت لصالح العروسين وتم شراء شقة لهما بدلا من إهدارها إسرافا وبطرا؟. اسراف وبذخ وأخيرا، فإن ظاهرة السباق في الإسراف والبذخ في حفلات الزواج هي عادة غير سوية، وقد كنا في الماضي نتصرف في حفلات الزواج بالشيء المناسب، ولا نرهق كاهل الشباب المقبلين على الزواج، حتى جئنا اليوم لنرفع من تكاليف حفلات الزواج ونجعلها باهظة، وننصح أولياء الأمور «اتقوا الله في أبنائكم وبناتكم ولا تحملوهم ما لا يطيقون»، والله يقول في كتابه: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، والخير الخير في التيسير في الزواج، كما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: «أبركهن أيسرهن نفقة». أطباق حلويات أخذت طريقها إلى النفايات بدون فتحها