تواكبُ المملكةُ التطوُّرات المتسارعة في مجال التشريعات وتطوير المنظومة العدليَّة، خاصَّة بعد انضمامها لمنظَّمة التجارة العالميَّة في عام 2005م، وكان لهذا أثره الملحوظ في زيادة الانفتاح الاقتصادي، واستقطاب الاستثمارات الأجنبيَّة، وانتشار الشركات الوطنية التي تدعم وتعزِّز الاقتصادَ الوطني. ومن الجوانبِ التي حظيت بعناية المنظِّم السعودي الإجراءات التي تُعنى بالشركات، ومن ضمنها انقضاء الشركات وتصفية أموالها. وتعرَّف عملية تصفية الشركة بأنَّها: «مجموعة الأعمال التي تهدف إلى إنهاء العمليات الجاريِة للشركة وتسوية جميع حقوقها وديونها بقصد تحديد الصافي من أموالها لقسمته بين الشركاء». ويفهم من هذا أنَّ الغاية من إجراء التصفية هي قسمةُ أموال الشركة بعد الوفاء بديونها والتزاماتها تجاه الغير. وقد تتمُّ عملية التصفية اختيارياً باتفاق جميع الشركاء، وقد تتمُّ عن طريق القضاء بناءً على طلب الشركاء أو طلبِ أحدهما. وأثناء فترة التصفية تحتفظُ الشركة بشخصيَّتها الاعتبارية حتى يتم الانتهاء تماماً من إجراءات التصفية، ويُعزى السبب في ذلك إلى أنَّ تصفية الشركة تتطلَّب إجراء بعض التصرُّفات النظاميَّة كمطالبة الغير للشركة بالوفاء بالتزاماتها وديونها. ويعني هذا أنَّ احتفاظ الشركة بشخصيتها الاعتبارية أثناء فترة التصفية يهدف إلى الحفاظ على الضمان العام لدائني الشركة، بغية ضمان عدم مزاحمة دائني الشركاء الشخصيين لدائني الشركة في استيفاء حقوقهم. وفي هذا الخصوص نصَّت المادة (203) من نظام الشركات الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 28/1/1437ه، على أنَّه: «1/ تدخل الشركة بمجرَّد انقضائها دور التصفية وتحتفظ بالشخصيَّة الاعتباريَّة بالقدر اللازم للتصفية...». واحتفاظ الشركة بشخصيتها الاعتبارية خلال فترة التصفية يترتَّب عليه بقاء الذِّمة المالية للشركة مستقلَّة عن الذِّمم الماليَّة للشركاء، بحيث يستطيع دائنو الشركة استيفاء حقوقهم من الذمَّة الماليَّة للشركة. ويترتَّب على ذلك أيضاً احتفاظ الشركة بموطنها وما يستتبع ذلك من قيام الغير برفع الدعاوى على الشركة في هذا الموطن وإعلانها بكافة الأوراق القضائية. كما يجوز أيضاً خلال فترة التصفية إشهار إفلاس الشركة إذا توقفت عن سداد ديونها. وبانقضاء الشركة تنتهي سلطة المديرين أو مجلس إدارة الشركة، وبالرغم من ذلك يظلُّ المديرون أو أعضاءُ مجلس الإدارة في حكم المصفِّين إلى أن يتم تعيين مصفِّ للشركة، وهذا ما نصَّت عليه المادة (203) من نظام الشركات التي نصَّت على أنَّه: «2/ تنتهي سلطة مديري الشركة بحلِّها، ومع ذلك يظلُّ هؤلاء قائمين على إدارة الشركة، ويُعدُّون بالنسبة إلى الغير في حكم المصفِّين إلى أن يعيَّن مصفِّ...». والأصلُ أن يتضمَّن عقدُ الشركة كيفيَّة القيام بعمليَّة التصفية وتعيين القائمين بأعمال التصفية، وهذا مرجعه في الأساس إلى اتفاق الشركاء، أمَّا إذا لم يتضمن عقد الشركة النصَّ على ذلك، فيجوز هنا للشركاء أو للجمعية العامة تعيين مصفِّ أو أكثر ممَّن يرونه أهلاً للقيام بتلك المهمة. أمَّا في حالة عدم النصِّ في عقد التأسيس على كيفيَّة تصفية الشركة، أو في حالة عدم اتفاق الشركاء على تعيين مصفِّ أو أكثر، ففي هذه الحالة فإنَّ عمليَّة التصفية تتمُّ وفقاً للأحكام التي نصَّ عليها النظام. وفي هذا الشأن فقد نصَّت المادة (204) من نظام الشركات على أنَّه: «ما لم ينصَّ عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس أو يتَّفق الشركاء على كيفيَّة تصفية الشركة عند انقضائها، تتمُّ التصفية وفقاً للأحكام المنصوص عليها في النظام». وسوف نكمل الحديث حول هذا الموضوع في المقال القادم إن شاء الله تعالى.