ونحن في هذه الأيام الفاضلة من هذا الشهر الكريم الذي بدأ يلملم أطراف أشعته العلوية ويستعد للرحيل وعيوننا ترمقه باكية متأسفة ولكن هنيئاً لمن جعل عمله الخيرات وأودعها بين ثناياه.. نعم رمضان بدأ يرحل ويضع رحاله في عالم الغيب حاملاً معه ما أودعناه فيه وصدق الماوردي - رحمه الله - حين قال عن الصوم وحكمته: فرض الله تعالى الصيام وقدمه على زكاة الأموال لتعلق الصيام بالأبدان وكان في إيجابه حث على رحمة الفقراء وإطعامهم وسد جَوْعَاتهم، وقد قيل ليوسف على نبينا وعليه السلام: أتجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: إني أخاف أشبع فأنسى الجائع... ثم لما في الصوم من قهر النفس وإذلالها وكسر الشهوة وإشعار النفس ما هي عليه من الحاجة إلى يسير الطعام والشراب والمحتاج إلى الشيء ذليل به، وبهذا احتج الله على من اتخذ من عيسى على نبينا وعليه السلام وأمه إلهين من دونه فقال: [ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسُل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام] فجعل احتياجهما للطعام نقصاً فيهما عن أن يكونا إلهين، وقد وصف الحسن البصري - رحمه الله تعالى - نقص الإنسان بالطعام وغيره فقال: مسكين ابن آدم محتوم الأجل مكتوم الأمل مستور العلل تؤذيه البقة وتُنتنه العرقة وتقتله الشرقة لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا. فانظر إلى لُطف الله بنا فيما أوجبه من الصيام علينا كيف أيقظ العقول له وقد كانت عنه غافلة أو متغافلة ونفع النفوس به ولم تكن لولاه منتفعة ولا نافعة. رحم الله علماءنا الذين بذلوا جهوداً تذكر فتشكر في توضيح فوائد الصيام وحكمته، فالصوم له مكانة دينية كبيرة وعندما نلتفت إلى ما نخرج به منه في أجسادنا وحياتنا الدنيا نجد أن الدكتور صباح محمد باقر له نتائج مثمرة حول تقييم تأثير الصيام والذي بدأه بهذا السؤال: هل تعتبر الصيام إعياء وإجهادا للجسم؟ فيجيب عنه بما فحواه: قام كثير من الباحثين البيولوجيين بقياس حامضيات الجسم فَوُجد أنه لم يتأثر بالصيام مما يؤكد أن الصيام لا يصيب الصائم بالإعياء والإجهاد للجسم ووجدوا أن الصيام لا يؤدي إلى آثار جانبية على المرضى المصابين بأمراض الكريات الحمراء.. ومن النتائج المهمة التي خرج بها الباحثون أن المبتلين بالترهل وتراكم الشحوم سيستفيدون حتماً بالتخلص من بعضها وبالتالي سينخفض ارتفاع ضغط الدم وسيستريح القلب... والصوم له تأثير إيجابي على العقم فقد دلت الأبحاث أن الصوم يزيد الإخصاب عند الأصحاء.. ولكن هل وظائف التنفس تستفيد من الصيام إيجابياً أم تتأثر سلبياً؟ هناك بحث أولي أجري على عدد من الأصحاء قُبيل وخلال شهر رمضان المبارك وقد دلت النتائج على أن الصيام خالٍ من أي آثار سلبية على عدد من وظائف الجهاز التنفسي وتوصي هذه الدراسات بإعادة الفحوصات على المرضى المصابين بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو وغيره لمعرفة مدى إمكانية استفادة هؤلاء من الصيام. وتحدث الدكتور صباح بشكل موجز عن الصيام وأملاح الجسم والصيام والكلية واختتم هذا الحديث المفيد بالصيام واللياقة البدنية، فلوحظ أنها تحسنت خلال فترة الصوم بل إن الصوم يساهم في تحسن بعض الأمراض الجسدية منها مرض البول والسكري. وازدياد المناعة الطبيعية في الجسم وتخفيف التهاب المفاصل وآلام الروماتيزم وجميل قول الدكتور: لو قارنا ما يحصل للأفراد والدول التي لا تدين بالإسلام وحاولنا أن نحصي عدد الإجازات المرضية ونوعية الأمراض والخسارة المادية الناتجة عن تخلف الأفراد وإصابتهم على مدى السنة أو عمر الفرد العامل. عند ذلك فقط نستطيع أن نحكم على فائدة هذا الشهر الكريم لذا وجب علينا عندما نتكلم عن فوائد هذا الشهر الكريم أن نوسع هذه النظرة لتشمل فترة أطول في عمر الأفراد والأمة وعندها نرى كم وقانا الله عز وجل من الكثير من العلل بالصيام.