لم يعد من المستغرب أبدا أن يستهدف الدواعش في القريب إخوتهم الأطفال، أو أخواتهم الفتيات، طالما أصبحت الأم بجلال قدرها من خيارات وحشيتهم ولا إنسانيتهم، ففعلتهم الداعشية الأخيرة اثبتت بالدليل أن أجنداتهم لا نهاية لقائمتها، فهاهم على مرأى ومسمع وبتخطيط مسبق وبقلوب متحجرة يتفننون في طعن الرحم التي حمتلهم، ويمزقون القلب الرؤوم الذي أحنى عليهم، بعد أن تآمرا على براءة الأمومة فيه، وتناوبا على تمزيق جسده الطاهر، الأمر الذي يشي بالخطر المحدق بكل من يعيش حول هؤلاء المتوحشين، الغادرين، اللاإنسانيين، لينكشف القناع في مسرحية الرعب التي فبركوها عن وجههم القبيح ومشروعهم الدموي. فأي معضلة يمر بها المجتمع!! وأي مصيبة تنتظرنا أكثر من أن يذبح الشاب أمه ووالده وأخاه وابن عمه وخاله!، مما يعني أن الأسرة باتت مستهدفة، علما بأن هذه السلسلة الأسرية المرعبة ليست من وحي الخيال، بل شهدناها حكاية حكاية، وقصة تلو قصة، وحادثة بعد حادثة، فمستهل هذه الوحشية الدواعشية ضد أقاربهم كانت في سبتمبر/2015م بقتل «مدوس» على يد ابني عمومته: سعد وعبدالعزيز، ثم شهد يوم «العيد»، يوم الفرح والسرور لدى المسلمين الحدث الثاني من المسلسل الداعشي الدامي، وفي الشهر نفسه والعام ذاته، حيث استدرج داعشيان مجرمان ابن عمهما إلى منطقة صحراوية وقيداه وأطلقا عليه النار، وشهد فبراير 2016م الحدث الثالث من المسلسل الوحشي وتكرر فيه سيناريو الاستدراج إلى خارج المدينة المأهولة لأحد منسوبي الطوارئ الخاصة من قبل ثلة من أقاربه الدواعش فقتلوه غيلة وغدرا، وفي يوليو: وتحديدا في ليلة السابع والعشرين من رمضان لايتورع أحد وحوش داعش عن اطلاق النار على والده الأعزل ويقتله، ومثله في الشهر نفسه يقوم شاب داعشي جبان بقتل خاله، لتدخل الأم القائمة قبل أيام معدودات فقط، نعم الأم!!. فما الذي يحدث بالضبط!!، ما هذه اللعنة التي تلاحقنا وعلى يد أبنائنا؟، هل هي التربية المنزلية، هل هي مناهجنا الدراسية، هل هم المحرضون، هل هي التكنولوجيا وأثرها الكبير، هل هي ضغوطات مجتمعية نعيشها أدت إلى تشكيل هذه العاهات؟، لا أدري!!، فقد اختلط الحابل بالنابل!!، وكَثُرت التخرصات!!، لكنني على ثقة بأن الدين لا علاقة له مطلقا لا من قريب ولا من بعيد بهؤلاء الشراذم الذين لا يعرفون من الدين سوى اسمه، والواضح أنهم اتخذوه مطية لإفراغ كبتهم وصلفهم وجهالتهم، وجعلوا من الإسلام مسوغا لأفعالٍ وقحة تتنافى تماما مع تعاليمه السمحة وشرائعه العظيمة، وبالتالي فنحن أمام نماذج يائسة من كل شيء، حاقدة على كل شيء، وأمام أنفس لم تعش حياة سوية، ولم تعرف الجمال والسكينة والرحمة، كما أنها لم تشهد في واقعها أملا وطموحا تعيش من أجله. لنواجه أنفسنا بصراحة متناهية ونقول: لن تقطع أواصر الفكر الإجرامي الداعشي المتوحش إلا من خلال قطع أواصر منابعه وتجفيف جذوره، ويُخطئ من يظنها ماثلة في شبكات التواصل الاجتماعي فحسب، بل هي متوقعة من مصادر مجتمعية عديدة، فلا نستغرب البتة من أن يكون مصدرها المنزل: عبرالتربية الأسرية القامعة والمتشددة، ولا يدهشنا أن يكون مصدرها المدرسة، خاصة المدارس التي تحتفي بالبرامج اللاصفية أحادية التوجه، وقد يكون القصور المجتمعي في استيعاب الشباب واستيعاب احتياجاتهم مصدرا رئيسيا في ذلك، ولنا أن نتمعن في متوسط أعمار الداعشيين لنجده العشرين سنة، وهذا له دلالة خطيرة جدا، كونه يعني أن طلاب المرحلة الثانوية دخلوا على خط الانزلاق، وهذه كارثة الكوارث!