تعتبر المركزية العدو اللدود لكثير من المواطنين خاصة عند مراجعتهم المنشآت الحكومية أو الخاصة؛ كون المركزية تستهلك الكثير من الوقت والجهد حتى يتحصّل المواطن على الخدمة المطلوبة، وتعرّف المركزية أو ما يعرف بال (Centralization) على أنها تنظيم إداري يحتفظ به عدد محدود من القيادات العليا بالكثير من الصلاحيات والقرارات، وتمتاز المركزية بمستوى عالٍ من الرقابة وتوفير كبير للموارد البشرية ولكن هاتين الميزتين بدأتا بالانحسار مع التقدم التقني الحاصل هذه الأيام، فيما يعاب على المركزية كونها تجرد الكثير من القيادات الوسطى وما دون ذلك من الكثير من القرارات والصلاحيات وبالتالي انخفاض فعالية أداء الموظفين، إضافة إلى البطء الكبير الذي تسبّبه المركزية في إنجاز المعاملات بشكل عام. وفي المقابل يوجد تنظيم إداري آخر يسمى اللامركزية أو ما يعرف بال(Decentralization) وهو توزيع أو تفويض الصلاحيات والقرارات لمستويات إدارية أخرى أقل سواء جغرافياً بين المناطق أو وظيفياً بين الموظفين، وتمتاز اللامركزية بالسرعة في إنجاز المعاملات إضافة لإتاحة الفرصة لمستويات مختلفة من الموظفين للمشاركة في اتخاذ الكثير من القرارات، بينما يُعاب على اللامركزية ضعف الرقابة وزيادة التكاليف الإدارية نتيجة تكرار الكثير من الوظائف وكل ذلك من السهل التغلب عليه بوجود التقنيات الحديثة التي تعزز الرقابة الداخلية وتختصر الكثير من التكاليف. وما هو واضح للعيان بالمملكة العربية السعودية تسيّد المركزية على أغلب التنظيمات الإدارية سواء في المنشآت الحكومية أو الخاصة وهو ما كان منطقياً في فترة سابقة، ولكن أعتقد أن ذلك يجب أن يتغير وتصبح اللامركزية سمة أساسية للتنظيم الإداري بالمملكة لأنه لم تعد لدينا أزمة ثقة في مواردنا البشرية، وأصبح لدينا قيادات مميزة قادرة على قيادة النهج اللامركزي بكل كفاءة خاصة في ظل وجود بنية تحتية تقنية مدعومة بثورة معلوماتية تساعد على انسيابة العمل الإداري بكل كفاءة وفعالية، إضافة لكون المملكة العربية السعودية بلدا مترامي الأطراف شاسع المساحات وبه إدارات إقليمية ومكاتب فرعية متعددة يصعب تشغيلها بكفاءة تحت منهج المركزية. والسؤال الذي يتكرر دائماً: متى ننتهج المركزية ومتى ننتهج اللامركزية؟ والإجابة عن ذلك تحتاج لتفصيل كبير لأن هنالك عدة عناصر تحدد اختيار النهج الإداري الصحيح كحجم المنشأة ورؤية القيادة ووفرة الموارد البشرية إلخ... ولكن أهم تلك العناصر هو «نوعية القرارات» فكلما كانت القرارات إستراتيجية مصيرية ومهمّة كان من الأجدر أن تكون مركزية والعكس صحيح فالقرارات والصلاحيات التي تحكمها الأعمال اليومية يجب أن تبتعد كل البعد عن المركزية، ولو تأملنا قليلاً فلن نجد على الإطلاق منشأة حكومية أو خاصة على مستوى العالم أحدثت تقدماً بارزاً في خدماتها ونهجها الإداري إلّا وكانت «اللامركزية» أحد أسباب ذلك التطور. الخلاصة: نحن في زمن اللامركزية