يطرح «دونالد ترامب» المرشح الجمهوري عبر خطاباته الانفعالية الأخيرة... معادلة مفادها: إما أن تكون أمريكا محصنة بكل قواها... وإما أن تكون بلدا سائبا يدخله المسلمون بمجرد حصولهم على الفيزا، لذلك على كل أمريكي أن يتعامل مع المستقبل انطلاقا من قاعدة تقول: «إن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تسمح بدخول أي مسلم إلى أراضيها». لكن لم يخبرنا المرشح الجمهوري للرئاسة، ماذا بالنسبة لأكثر من أربعين مليون مسلم أمريكي وكندي وامريكي لاتيني وأوربي. هل سيشملهم الحرم؟ أم أن ترامب ينتظر وضع قانون تفصيلي حول قضية الحرم الأمريكي على المسلمين؟! تاركا الأمر لمتعصبي الكونغرس؟ المشكلة في العالم اليوم ليست ما تقوم به داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) الأكثر راديكالية وتطرفا في التاريخ الإسلامي كله. فهذا التنظيم سيبدو واقفا على يسار الجانب الأيسر من حركة القرامطة، أو من الحشاشين، أو حتى من حركة الزنج التي حكمت البصرة بأغرب الأساليب، لأن التنظيم الذي خرج عن حدود المألوف في القرن الحادي والعشرين، واثبت أنه أباح ما لم يكن مستباحا في السابق، بل تجاوز حدود الاستباحة ليضع اوسع دائرة للحرم حسب وجهة نظره. إن الحرام والحلال داعشيا ليس قانونا وضعيا، وليس عرفا أو تشريعا سماويا، بل هو مجرد نزوة، يستطيع أن يمارسها الحاكم المطلق وينفذها بأكثر الوسائل «قساوة ووحشية». وفي حوار مع مفكر إسلامي قريب من الفكر الداعشي، حول أسباب القسوة المرعبة في تنفيذ الأحكام، أجاب: إن العديد من قادة الصف الأول في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يرون في العقاب مثالا رادعا للآخرين، ولا سبيل للسيطرة على القاعدة دون أن تشعرها بجديتك وبقوة ارادتك.. فالسلطة سطوة!! هذا التنظيم العقابي هل يمكن أن يُقضى عليه بفعل هذه الهجمة المتنوعة والكبيرة التي تشن عليه اليوم عبر اكبر حشد عالمي متحالف؟ هنا يجب أن نتعامل مع الحقائق من منظور آخر، أكاد أقول من منظور (تاوي) – Tao Te Ching – وهو الذي يرى أن كل ثقيل هو جذر للخفيف، وإن اللاحركة هي مصدر كل حركة. ولكي تمسك أي شيء أنت بحاجة لأن تتركه اولا، وإذا أردت أن تضعف شيئا فأنت بحاجة لأن تقويه، ولكي تمحو شيئا اجعله ناصعا يزدهر في البدء كي يتضح أمامك، أما إذا أردت أن تأخذ شيئا فإنه يجب أن تعطيه أولا. هذا الأمر يجعلنا نقف مليا أمام كل ما يجري اليوم من صراع يكاد يتمحور على محور واحد، قوامه مقاتلة الإرهاب والقضاء عليه. حسنا، ولكن من الأجدى أن نعرف من هم الذين يحاربون الإرهاب وما خصائص هذا الإرهاب؟ وكيف سيقضون عليه؟ لنبدأ بالفارس الأكبر الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي التي أعلنت الحرب جهارا على الإسلام المتطرف والمتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية داعش. فالرئيس الأمريكي (اوباما) قالها بوضوح: إن الإسلام يشن حربا على أمريكا! لذلك أضحت (لاسلاموفوبيا) جزءا من التفكير الأمريكي. لقد أعدت أمريكا لحربها ضد داعش تعبئة واسعة شملت كافة أنواع الأسلحة المجدية، من جوية وبرية واستخباراتية واقتصادية، وعدة حرب بالغة الأثر، إذا ما احسن استعمالها... ولكن هل ستحسن أمريكا استعمال أسلحتها؟ القارية؟ أي تسلق معضلات الآخرين، والتموضع في مواقع مشرفة على حركة الحليف. لذلك نراها تدخل في تنسيق مسبق مع ابرز الحلفاء الأوربيين، ثم تعود إلى مهادنة الحليف التركي في الوقت الذي تطعنه في الخاصرة عندما تدعم القوى الكردية المقاتلة، في منطقتي كردستان العراق، وشمال شرق سوريا. إضافة إلى دخولها الخجول في معركة الفلوجة. الأمر الذي جعلها في حالة تنسيق غير مباشر مع إيران، وبحضور الجنرال قاسمي قائد فيلق القدس. هذه المواقف الأمريكية المتناثرة، هي حسابات بالمفرق من رصيد استراتيجية غير واضحة، وأكاد أقول غير موجودة حتى الآن، ويقال إن السبب كون أمريكا تعيش أواخر عهد (اوباما)، وإن الرئيس الديمقراطي لا يريد أن ينهي عهده بحرب قارية يذهب ضحيتها عشرات الأمريكيين، هذا إن لم نقل الآلاف. الطرف الآخر من اطراف الحرب على «داعش» هي روسيا بوتين، وهنا تمتزج حسابات كثيرة، حتى غدت كثرة هذه الحسابات الروسية مربكة لجميع الأطراف، ما عدا طرفا واحدا هو الطرف الإسرائيلي الذي حصد حتى الآن جملة انتصارات ومكاسب بسبب التواجد الروسي شرقي البحر المتوسط، وفي الاراضي السورية تحديدا. وحتى يحين موعد المناورات البحرية المشتركة بين روسيا وإسرائيل مقابل جزيرة (أرواد) السورية. فإن غنائم إسرائيل، ما عدا دبابة (الميركافا) التي سحبتها روسيا من سوريا واعادتها لإسرائيل. وهي أصلا إحدى غنائم حرب أهل بيروت حين تصدوا لإسرائيل عام 1982 في مثلث خلدة إذ بان هجومها على عاصمة لبنان... تقول: ما عدا هذه الدبابة، هناك غرفة عمليات مشتركة وتبادل معلومات، على اوسع نطاق بين القيادتين الميدانيتين الروسية والاسرائيلية، إن حالة التسلق الروسي على اكتاف الثلاثي إيران، سوريا وحزب الله، قد تبدو احيانا خارج حالة الحرب ضد داعش لأن الخصم المباشر الذي تقاتله روسيا هو الثورة السورية على ما يبدو، والطيران الروسي يشن ثماني غارات من أصل عشرة على مناطق الثوار مستثنيا داعش والنصر، بل إن معلومات دقيقة عن سلاح حزب الله وحركته تصل إلى إسرائيل ميدانيا. إذا أين أصبحت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في القاموس العسكري الروسي؟ وما لعبة هذا التواجد الذي يتذرع تارة بالحفاظ على النظام السوري، وطورا يعلن تمسكه بالوحدة الوطنية!! المأزق على ما يبدو يقع بكل ثقله على حزب الله وداعمته الدولة الإيرانية بكل ما لديها من مستشارين وجنرالات يتواجدون (حفاظا على المقدسات!!). فالحزب الذي يُستنزف يوميا لم يستطع حتى الآن أن يحقق شيئا من اطروحاته التي كانت تنادي بمقاتلة النصرة وداعش وكافة قوى التكفير... إذ لا تزال خارطة التموضع لكافة القوى في الغوطة السورية كما كانت منذ سنتين. وما يجري في (منبج) من حرب بين الأكراد وداعش لا علاقة للحزب فيها لا من قريب ولا من بعيد. وعندما يتدخل في بعض مناطق حلب يشتبك مع (الشبيحة) السوريين. أما حقيقة ما يجري في حلب، فإن المنطقة عصية على أية قوة تحاول تغيير موازين القوى فيها، لذلك يتواجد حزب الله بصفته حارسا لمقام السيدة زينب بالدرجة الأولى، وبوصفه الحارس برتبة (البدي غارد) لبشار الأسد. إضافة إلى كونه القوة التي تستطيع إيران وبأوامرها العسكرية المباشرة أن تحركها من موقع إلى آخر. إن ورطة الحزب وهو يرى حليفه الروسي، بهذا المستوى من التنسيق والتعاون مع (عدوه) المركزي إسرائيل، هي التي دفعته لأن ينقل كمية كبيرة من صواريخه إلى داخل الاراضي اللبنانية، ولهذا السبب هددت إسرائيل بصواريخ متطورة قالت انها تستطيع أن تطال أية بقعة من لبنان، وهي ذات قوة تدميرية هائلة فلا يفكر الحزب في استعمال صواريخه. لا شيء من هذه الحرب الدائرة على داعش في سورياوالعراق يبدو جديا حتى ما يجري في الفلوجة اليوم، وقد سبق وحذرنا من تحول الحرب هناك إلى معركة طائفية، وهذا ما بات يجاهر به اقطاب من الانبار، ومن القيادات السنية النافذة في العراق. إذ لا يزال مصير أكثر من ألف رجل من أهل الفلوجة، ومن عشائر الجبور والعزاويين والدليم في عداد المفقودين. والحشد الشعبي بألويته المعروفة وبالأخص لواء (الخراساني) المدعوم كليا من قبل الحرس الثوري الايراني لم يزل ينظر إلى أهالي الفلوجة نظرة الاعداء الذين يجب أن يلعب السيف على اعناقهم!! لا شيء يحارب داعش جديا، وستكشف الأيام أن هذه (الشماعة) التي علق الجميع عليها ثيابهم الوسخة سوف تسبب لهم وللجميع المزيد من الويلات. فداعش التي تملك مقدرة على الاذى سوف تؤذي الجميع... ما دام الجميع غير جادين في محاربتها. يرى الفيلسوف (جيوفري لويد) إن الاغريق حددوا معنى الطبيعة أنها الكون مخصوما منه البشر وثقافتهم، لأن الاغريق قد ميزوا بين العالم الخارجي الموضوعي والعالم الباطني الذاتي، والسبب في ذلك أن الاغريق يؤمنون بأنك لا تستطيع اقناعي بشيء، ما لم تؤمن أنت به. الأمر نفسه بالنسبة للحرب العالمية على داعش، هل يؤمن الذين يشنونها بضرورة تطويرها أم لا؟.