أفرزت النظم القانونية المعاصرة بعض المصطلحات القانونية المهمة، ومنها مصطلح الشخصية الاعتبارية للشركة الذي يتشابه مع مصطلح الشخصية الطبيعية للأفراد، ويهدف هذا المصطلح إلى منح الشركة الصلاحيات اللازمة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات مثلها في ذلك مثل الأفراد، وبموجب هذه الشخصية تصبح الشركة كائناً مستقلاً ويحق لها أن تشتري أو تبيع أو ترهن أو تؤجر أو تقوم بأي تصرف نظامي آخر في حدود الغرض الذي أنشئت من أجله، وفي الوقت ذاته تخضع للمساءلة النظامية والقانونية في حدود ما يصدر عنها من مخالفات. وتعرّف الشخصية الاعتبارية للشركات بأنها: «اعتراف النظام لمجموعة من الأشخاص والأموال التي تهدف إلى تحقيق غاية أو مجموعة من الغايات بالشخصية النظامية اللازمة لمدة زمنية محددة حتى تتمكن من تحقيق أهدافها وغاياتها والتي بدونها لا يمكن أن تتحقق أي غايات، ولا يمكن الوصول إلى أية أهداف». ويفهم من هذا أن الشخصية الاعتبارية للشركة تعني أن يكون لها شخصية مستقلة عن شخصية الشركاء المؤسسين لها، وتمكين هذه الشخصية لتحقيق الأهداف أو الغايات التي من أجلها اجتمع الشركاء لإنشاء وتكوين الشركة، وفي الوقت ذاته تنتهي بانتهاء مدة الشركة. وقد نص نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 22/3/1385ه على بداية اكتساب الشركة للشخصية الاعتبارية، حيث نصت المادة الثالثة عشرة على أنه: «فيما عدا شركة المحاصة تعتبر الشركة من وقت تأسيسها شخصاً اعتبارياً ولكن لا يحتج بهذه الشخصية في مواجهة الغير إلا بعد استيفاء إجراءات الشهر». وعليه فإن الشركات التجارية عدا شركة المحاصة تكتسب الشخصية الاعتبارية من وقت تأسيسها، ويستفاد من هذا أن تكوين الشركة هو شرط جوهري لمنح الشخصية الاعتبارية لها، دون إغفال تعدد أشكال الشركات والتي قد يشترط بعضها شروطاً تختلف عن الأخرى. ومن جهة أخرى فقد أكد المنظم على أن اكتساب الشركة للشخصية الاعتبارية ليس له أية حجية في مواجهة الغير إلا بعد استيفاء كافة إجراءات الشهر التي بموجبها تثبت الشخصية الاعتبارية للشركة تجاه الغير حتى وإن كان الأخير لا يعلم بهذا الشهر. ومن ثم لا يقبل ما ترفعه هذه الشركات من دعاوى إلا منذ علم الغير بها، ولن يتم علم الأخير إلا بعد استيفاء إجراءات الشهر النظامية. وعليه لا يجوز للشركاء التمسك بها في مواجهة الغير، أما الغير فيحق لهم التمسك بها في مواجهة الشركاء متى ثبت تحقق مصلحتهم في ذلك. وتظل الشركة محتفظة بشخصيتها الاعتبارية طوال مدة قيامها إلى أن يتم انقضاؤها لأي سبب من أسباب انقضاء الشركات المنصوص عليه في نظام الشركات، مع عدم إغفال أن هذا الأصل يرد عليه قيد مهم في المادة (216) من نظام الشركات والذي يعطي الحق للشركة في الاحتفاظ بشخصيتها الاعتبارية، حيث نصت هذه المادة على أنه: «تدخل الشركة بمجرد انقضائها في دور التصفية وتحتفظ بالشخصية الاعتبارية بالقدر اللازم للتصفية وإلى أن تنتهي التصفية». ويفهم من هذا أن المنظم قد أبقى على الشخصية الاعتبارية للشركة في فترة التصفية لتمكين الشركاء من الحصول على حقوقهم لدى الغير، والوفاء بالتزاماتهم تجاه هذا الغير. وسوف نتحدث في المقالين القادمين إن شاء الله عن أثر تحول بعض الشركات من شكل نظامي لآخر وهل يترتب على ذلك انقضاء شخصيتها الاعتبارية أم لا، ويليه الحديث عن الآثار المترتبة على اكتساب الشركة للشخصية الاعتبارية. المحامي والمستشار القانوني