جارتي الماليزية ما زلت أتذكرها بين فترة وأخرى وهي تصحب أحد أبنائها في بداية رمضان لتقدم التبريكات فتطرق الباب بهدوء تتقدمها ابتسامة عابقة بالصدق لتهدي بعدها لنا عذقا من الموز تقدمه في سلة أنيقة ومعها أجمل عبارة «تري ما كاسيه» أي شكرا باللغة الماليزية، كما أتذكر توزيع الموز كل جمعة عند أبواب المساجد كعادة ماليزية، والغريب أن بعض أطباق الحلوى تكون بقلي الموز بعد نقعه بالطحين، بل تلحظ أن أوراق الموز الخضراء طبق يقدم به بعض المأكولات، وبعض القرى الماليزية تزين أبواب الدخول بأعذاق الموز، وفي كل مرة تجد أن حكاية الموز في رمضان ربما تتجدد بماليزيا وبعض شعوب شرق آسيا فكم للتجارب الإنسانية في العالم والعادات ربما تاريخ أو حكايات خاصة تلك التي ترتبط برمضان فما هي حكاية الموز الذي هو من أقدم المحاصيل الزراعية في العالم؟! ربما تتفقون معي بأن أجواء الصيام خارج بلدك رغم ما فيها من تغير في العادات وحنين للأسرة واللقاءات إلا أن بعض الدول الإسلامية تجعلك تنطلق في رحلة كشفية للتعرف على أجواء وعادات خاصة منها حكاية الموز برمضان ماليزيا، فالشهر منذ يهل تهل معه أصوات القرآن في المساجد، والإضاءات التي تتزين بها الشوارع، فكم له طابع خاص وروحه المميزة خاصة وماليزيا الدولة الإسلامية التي نجحت في التواؤم التعددي بين الأديان والتقدم الحضاري، فمنذ دخول رمضان يدرك أتباع الديانات دخوله وكأنهم يدركون خيره وبركته عليهم خاصة مع إيقاع القرآن السابح في الأفق قبيل كل أذان، فهم يعيشون أجواءه وبعضهم يشاركون مناسباته والإفطار مع المسلمين، بل الجميل أن الصينيين والهنود يمتنعون عن المجاهرة والأكل في نهار رمضان احتراما للمسلمين، وللروح الماليزية نكهتها بدخول رمضان فتجد أن بعض أفراد الأسرة يجتمعون قبل أذان المغرب ليفطروا في المسجد وستجد للموز حضوره الفعلي على المائدة الرمضانية، كما تجد بعض الأسر تتعاهد على قراءة القرآن كاملا في البيوت، أما المساجد فهي عامرة بالعبادة والقراء الذين يتناوبون على الإمامة بأصواتهم الجميلة بالتراويح خلال 21 ركعة يوميا في أكثر المساجد التي لا تغلق أبدا، كما تجد التنافس بين اللجان الخيرية والأهلية التي تجمع الزكاة وتوزعها في جو رائع من التكافل والتراحم، والأجمل في كل ذلك التغير الذي ينعكس على الإعلام والبرامج والتي تتوقف فيها المسلسلات والأفلام لتكون أغلب البرامج في التلفاز عيش مع رمضان والقرآن والبرامج الدينية والأناشيد الإسلامية، ونقلا للفواصل الصحية الهادفة والتي تلحظ أن للموز النصيب الأكبر منها، وكم لنكهة مسابقتها السنوية للقرآن الكريم والتي يشارك بها القراء من العالم الإسلامي طعم آخر أتذكر أني حضرتها مع الزميل المقرئ معتصم بالله العسلي الذي شارك فيها وما إن تخرج إلا وباعة الموز والدريان في كل مكان، ومن أراد الأخذ من الموز لا الشراء فله ذلك، لذا دفعني الفضول لسؤال المختصين بماليزيا عن سر الحكاية، فوردتني أجوبة كثيرة عرفتني أن الوعي المجتمعي والصحي المتداول له السّر وراء الحكاية، فتجدهم يقولون إن الصيام في طبيعته دورة جديدة للجسم يتخلص فيها من بعض العادات والسموم ويكسب بعض الفوائد الصحية والتي منها أن تناول الموز الأفضل خاصة لمن يعانون من السكر واضطراب المعدة، وهو بديل مفيد عنه فالموزة الواحدة تحتوي على 110 سعرات حرارية، بالإضافة الى أنه غني بالبوتاسيم ومفيد للتوازن الصحي وطرد العطش وتقوية العظام عند الصائم، كما أنه يساعد على تحسين أداء الجهاز الهضمي ليساعد الصائم على منع تقلصات العضلات، وغني بفيتامين c كما أنه معزز للمناعة، وينمي صحة الخلايا ويحسن من امتصاص المواد الغذائية مثل الحديد، من هنا تتجدد حكاية الموز وعلاقته برمضان بماليزيا وشرق آسيا لحاجة الصائم لاستعادة التوازن، لذا يحبذ كثير من الماليزيين السحور الخفيف الذي يختم بموزة لقدرة الموز على تخفيف العطش وزيادة الطاقة الايجابية في الجسم، والعرف الماليزي يقول:«شجرة الموز صديقة الصحة والإنسان»، فهل يكون رمضان مع زخم المغريات والمشهيات مكسبا صحيا ومعرفيا، وغربلة يجدد فيها الصائم حياته الصحية كاملة ويعزز نشاطه لينشط في إنتاجه وعبادته؟