لماذا ينهار كثير منا ويصيبه الاكتئاب أمام الأحداث المؤلمة؟ لماذا تضعف مقاومة الكثير أمام إغراءات الشهوات المحرمة؟ لماذا يتوقف الكثير عن أداء عمله بطريقة متقنة؟ لماذا نتعامل بعنف مع المواقف المستفزة من الآخرين وخصوصا في البيت مع الزوجة أو الأولاد؟ ولماذا يفقد بعض الدعاة والمربين الحكمة في التعامل مع تحديات الدعوة والتربية ؟ مفتاح الإجابة عن هذه الأسئلة هو نفاد الصبر في معناه الجميل.. وإذا أردنا أن نتصرف بشكل أفضل فنحن بحاجة إلى أن نتحلى بالصبر، (ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر) كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد. كم نردد عبارة (الصبر جميل)، ونتغنى بها إلا أن الكثير لا يدركون معناها ولا كيفية اكتسابها، وهذا ما سأحاول الكلام فيه، لا سيما ونحن نعيش أجواء شهر رمضان المبارك الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم (شهر الصبر). إن الصبر قوة ضبط لمقاومة دواعي الجزع والسقوط والانقطاع، ولكي يتضح هذا المفهوم نتصور شخصا يريد تسلّق جبل، فأثناء تسلّقه للوصول إلى القمم العالية يوجد تحديات ذاتية وخارجية، من خوف وإيثار للراحة. مع الصعوبات المحتملة من صخور حادة، وأشواك مؤذية ومخاطر الانزلاق.. فإذا قرر هذا الشخص الاستمرار ومواجهة التحديات للوصول إلى القمة فهذا هو الصبر. الصبر ليس مجرد انتظار سلبي بل هو طاقة نفسية تغذي قوة الاحتمال وصمود المقاومة، وجهود التغيير. كما أن الصبر لا يعني جمود العاطفة أو برود المشاعر، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم في وفاة ولده: «إن العين لتدمع، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» رواه مسلم. كيف يمكن أن تكتسب هذا الصبر الجميل؟ 1- احتسب نتائجه الإيجابية: فالصبر يحمي الذات من الانهيار أمام الحدث أو التخبط في ظلمات الجزع والهلع، أو السقوط في مهاوي الشهوات، وفي الحديث (الصبر ضياء) رواه مسلم. وهذا الصبر يمدنا بمصادر عليا من المعية والمحبة الإلهية كما قال تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة البقرة: 153{وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} سورة آل عمران: 146.. ولا تنس أن الصبر يعني النجاح في الاختبار الإلهي:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} سورة محمد: 31 هذه النتائج مضمونه لا تضيع {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} سورة هود: 115 الصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل 2- استخدم كلمات التثبيت، مثل تلك التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم (كلمات الفرج): (لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم) كما في صحيح الجامع، وقال: «ما من مسلم تصيبهمصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني فى مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرًا منها» رواه مسلم. يقول ابن القيم: «وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب، وأنفعه له في عاجلته وآجلته، فإنها تتضمن أصلين عظيمين: أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل، وقد جعل عند العبد عارية.. والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق... وقارن هذا بما يتفوه به غير الصابرين من كلمات يائسة أو متبرمة أو شاكية للآخرين. 3- اقتد بنماذج الصابرين: استحضر كمالات الصبر التي قدمها الأنبياء، لنتأسى بها: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} سورة الأحقاف: 35 واستمع ليعقوب عليه السلام يقول بعد فقد ولديه:{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} سورة يوسف: 83 ولذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول عندما يصيبه الأذى: «يرحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» رواه البخاري. 4- تدرب على احتمال بعض الصعوبات أو الحرمان الإرادي لمشتهيات النفس كما يحصل في الصيام، في تحمل الجوع والعطش وإلحاح الرغبة طيلة النهار، بقصد تعزيز القدرة على مقاومة استفزار الآخرين. وهذا واضح في بيان النبوة: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم) صحيح الجامع. ليس كل الصبر جميلا، «فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً» سورة المعارج: 5