بدأت المعركة بين «حزب الله» والمصرف المركزي اللبناني كون الأخير يسعى إلى المحافظة على الاستقرار النقدي ومدخرات اللبنانيين أما الأول فتكثر الأسباب التي تجعله يضرب عرض الحائط بالوضعين المصرفي والاقتصادي غير آبه بانعكاساتهما السلبية على لبنان. يشتد الخناق على «حزب الله» أكثر فأكثر، فبعد محاصرته سياسياً وعسكرياً بات اليوم وبفعل العقوبات الأمريكية المالية من خلال القانون 2297 محاصراً مالياً واقتصادياً، فهذه العقوبات لم تقف عند حد التضييق على المؤسسات التجارية التابعة ل«حزب الله» أو المتمولين المتصلين به، بل توسعت ولا تزال في ظل إجراءات عقابية طاولت حسابات نواب من حزب الله موجودة في المصارف اللبنانية وما خفي كان أعظم، ولعل اتساع دائرة التطبيق والشمول تفسر كمية الغضب الذي تصدر الحزب وأبواقه لعلمهم ان مفاعيل تنفيذ هذا القرار على المدى البعيد ستؤدي إلى «قطع أوردة الدعم على الحزب. كل ما يمكن قوله هو أن زمن اتخاذ القرارات بحق كل من ادرج اسمه في لوائح الإرهاب التابعة للولايات المتحدةالأمريكية قد ولى مع بدء ساعة التنفيذ والتطبيق. ويشرح هذا التقرير كل جوانب القرار الأمريكي وانعكاساته بالإضافة الى عرض موجز للنصوص القانونية. «عرض العضلات» رأى الخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر في تصريح ل «اليوم»، ان تطبيق القانون الأمريكي ضد «حزب الله» فيما خص المصارف اللبنانية سيتعامل معه اللبنانيون كلٌ حسب طريقته، الا ان الطريقة التي اعتمدها المتضررون من القرار القائمة على «الطبل والزمر» واثارة الضجة حول الموضوع سيكون لها عواقب وخيمة جداً على الاقتصاد اللبناني، أما اذا قرروا الامتثال الى القرار ولملمة أنفسهم لاجتياز المرحلة بالحد الأدنى من التكاليف قد تمر هذه العقوبات بسلام، فيجب التذكير بأن هذه العقوبات صادرة عن الكونغرس الأمريكي الذي يوجد في قلب النظام المصرفي العالمي وليس لدى لبنان الكثير من الرافعات التي تمكنه من الوقوف في وجه هذه المنظومة الكبيرة. وأوضح «ان المعني ليس فقط الدولة الأمريكية او اللبنانية، فاليوم اللاعب الأساسي هو المصارف في العالم، وان رأت هذه المصارف أن لبنان تسوده حالة من الفوضى وسط كلام متصاعد حول المصارف اللبنانية سيتردد في التعامل معها خوفاً من الوقوع في المحظور، لهذا جاء التعميم ال 137 والكلام الذي صدر عن المصرف المركزي في مكانه الصحيح، حينما قال «اننا سنحتاط لعملية سياسة التقليص من المخاطر (de-risking) ممكن ان تقوم بها المصارف العالمية في حال عدم التزامنا بالقرار»، بمعنى انه بإمكان «حزب الله» او غيره الاستمرار في المعركة ضد المصارف او نظام المصرف اللبناني ولكن السؤال هل بإمكانه أن يوقف هذه القرارات، الجواب هو «كلا» لان هذه القرارات صادرة عن مصدر دولي ومعني بها كل القطاع الخاص في العالم، لهذا كلما زاد الكلام حول هذا الموضوع حفز ودفع المصارف في العالم الى قطع علاقاتها مع لبنان كي تخفض من احتمالات المخاطر التي قد تواجهها في علاقتها مع بلد متوتر سياسياً واقتصادياً. وحول نقل المصرف البريطاني الكبير مركزه الرئيس من لبنان، قال نادر: «لهذا المصرف أسهم وهي تتأثر بالعوامل الاقتصادية وبالمخاطر، فعلى سبيل المثال ان كان لدي اسهم في الأسواق لا يجب تعريضها لساحات ترتفع فيها المخاطر، لذلك عليّ استثمار هذه الأسهم في المكان الأقل خطورة، لهذا لا يجب إثارة البلبلة الزائدة حول هذا القرار وخلق جو ان لبنان بلد مخاطره عالية، لهذا ومع بدء الحرب السورية سعينا إلى اجتياز ارتداداتها وتمكنا الى حدّ كبير من تحييد المنظومة الاقتصادية عن المنظومة السياسية، أما اليوم وفي ظل وجود توتر وانقسام في المنظومة السياسية فليس بإمكاننا زيادة هذا التوتر في المنظومة الاقتصادية وإلا نكون نقود البلد نحو الانتحار». وأشار الخبير الاقتصادي الى ان «القانون الأمريكي صحيح يطال «حزب الله» ولكن قد يدفع ثمنه كل اللبنانيين ولهذا عليهم التوقف على الكلام في هذا الموضوع كون كثرة الكلام تزعزع الاقتصاد، ولهذا ما يقوم به المصرف المركزي هو إجراءات حكيمة، أي ان يسعى الى الحدّ من تصرف قد يكون تعسفيا من جانب البنوك نتيجة الى الهلع وهذا حقه، فصاحب مؤسسة تجارية ليست مهمته تحرير الجنوب وليس لديه وظيفة سياسية مهمته المحافظة على أرباحه وودائعه ومصالح زبائنه، فهذه مؤسسة تجارية بالنتيجة وهذه مهمتها وايضاً المصرف المركزي مهمته المحافظة على ودائع ومدخرات اللبنانيين وعلى الاستقرار النقدي وعلى القيمة الشرائية وهذا صلب وظيفته وليس لديه معركة سياسية، وايضاً المصارف لديها وظيفة وهي الحفاظ على ودائع زبائنها ونحن بحاجة الى هذه الودائع على المستوى الاقتصادي فهكذا بإمكاننا اجتياز الدين العام المتراكم وعجز الخزينة المتراكم، فلبنان للعام الخامس على التوالي يزداد دينه أكثر من اقتصاده وهذا مؤشر ليس جيد ابداً». وجدد التأكيد على ان «البلبلة التي تحصل قد تؤدي الى تراجع الودائع المصرفية وانسحابها وهذا يعني انهيار الاقتصاد اللبناني وانهيار القدرة الشرائية للمواطن وانهيار مدخراته والمساس بلقمة عيشه بشكل مباشر»، موضحاً انه «نتيجة للضغط والمزايدة التي لا لزوم لها سمعت الكثير من الكلام على طريقة «عرض العضلات» حينما يقال «غداً نسحب ودائعنا من المصارف اللبنانية»، فمن يقل ذلك اريد ان اسأله اذا سحبت ودائعك من المصارف اللبنانية فأين ستضعهم، فمن لم يطلع على القرار لا يعلم ان هذا القرار ليس فقط يعني المصارف اللبنانيةوالأمريكية فقط، بل أي مصرف في العالم اذا ثبت ان لديه علاقة مع «حزب الله» او المؤسسات التي أشار اليها بيان الكونغرس هو خاضع للعقوبات الأمريكية، لهذا عليهم التوقف عن المبالغة والمزايدة في الكلام الذي لا يوصل إلى نتيجة، وعليهم التروي والتعامل مع الموضوع بهدوء وحكمة وبحد أدنى من الخسائر». المحاصرة المالية الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب قال في تصريح ل«اليوم» ان «قانون العقوبات له ارتدادات سلبية على «حزب الله» من ناحيتين، الأولى كونه يعاقب كل المؤسسات التجارية وأصحاب رؤس الأموال القريبين من الحزب والذي يرتد جزء من عائداتهم المالية الى موازنة الحزب وبالتالي فإن هذا القانون سيقود على المدى الطويل الى افلاس هذه المؤسسات وبالتالي الى قطع احد اوردة الدعم المالي لحزب الله. أما الناحية الثانية، كونه يطال على نطاق واسع بيئة «حزب الله» أي جمهوره ومناصريه وقد يشمل اغلبية الطائفة الشيعية، وهذا الامر لا يمكن ان يهضمه الحزب لانه سيرتد بنقمة واسعة عليه فبذلك لا يكون قد حشر نفسه فقط انما حشر طائفة بأسرها وجعلها إما مطاردة أو ملاحقة أو في دائرة الاشتباه والاتهام». وقال دياب: «من هنا استطيع ان اتفهم نقمة«حزب الله» وكيف يناقض نفسه بنفسه، صحيح ما قاله نصرالله ان الأموال التي تأتيه من ايران تأتي نقداً ولكن هذه الأموال لا تكفيه لدفع المصاريف ورواتب مقاتليه واسلحته وصيانتها، بل لديه سبل أخرى يجني منها المال عبر مؤسسات تجارية داخلية وخارجية ورجال أعمال وهؤلاء بغالبيتهم اصبحوا ملاحقين، بمعنى انه بالإضافة الى الحصار السياسي والعسكري فالحصار الاقتصادي والمالي سيكون سلاحا فعالا وبالتأكيد يؤلم «حزب الله» على المدى المتوسط والبعيد». تغيير الأداء وشدد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية السعودية ايلي رزق في تصريح ل«اليوم» على ان «القرار الأمريكي بشأن تنظيم العمليات المصرفية في لبنان هو قرار محق ويتبع الأنظمة المعمول بها دولياً، واليوم لا تقع المسؤولية على المصارف ولا تسأل عما ستفعل كي تطبق تلك القرارات بينما السؤال يوجه إلى الجهة السياسية التي تغرد خارج سرب الاجماع اللبناني وتحاول ان تتوغل في الرمال المتحركة الإقليمية وتعرض لبنان واقتصاده الى شتى أنواع المخاطر، واليوم علينا جميعاً كقوى سياسية واقتصادية ومجتمعات مدنية الوقوف صفاً واحدا مع المصارف اللبنانية؛ حفاظاً على السمعة المصرفية العالية التي يتمتع بها لبنان وعلى الاستقرار النقدي الذي اذا تعرض لأي خلل سوف يؤثر بشكل سلبي جداً على اقتصاد لبنان وسوف تكون له انعكاسات كارثية على اقتصاد لبنان». وأوضح ان «الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي وجمعية المصارف هي إجراءات سليمة وتحمي وتحصن نظامنا المصرفي وتحافظ على الاستقرار النقدي»، موضحاً انه «يتوجب على الجهة السياسية المعنية ان تغير من ادائها وان تسعى لكي يتم رفع اسمها عن لائحة الإرهاب العالمية وان تعود الى لبنانيتها لان وحدة المجتمع اللبناني هي الكفيلة بحماية هذا النسيج من المجتمع اللبناني». وأكد رزق انه «ليس لدى «حزب الله» حماية إلا من المجتمع اللبناني وهو الذي حماه بوجه إسرائيل، فلو لم يكن لدى الحزب دعم من كل مكونات المجتمع تدعمه في مواجهته للعدو الصهيوني لم يكن ليتمكن من تحرير لبنان. لهذا اليوم اذا تفرد بقراراته وغرّد خارج سرب الاجماع اللبناني واصرّ على ممارساته التي تجعله مدرجاً على لوائح الإرهاب، لهذا عليه تقع مسؤولية تغيير ادائه والعودة الى لبنانيته وإلا سوف يعرض لبنان إلى المزيد من المخاطر والانهيارات». زيارة مرتقبة ويذكر انه في ديسمبر/كانون الأول 2015، أصدرت واشنطن قانون «مكافحة تمويل «حزب الله» دولياً»، الذي حذر المصارف اللبنانية والعالمية من التعامل مع الحزب، وهو ما رد عليه الأمين العام للحزب حسن نصر الله بأن حزبه «ليست لديه أموال في المصارف وأن أغلب المساعدات تأتيهم نقداً». وفي ظل غياب الموقف الإيراني، أبدى نصر الله «استغرابه ممّا سماه تشدد الولاياتالمتحدة في عقوباتها ضد الحزب». كما سبق وحث نصر الله الدولة اللبنانية على «عدم الانصياع للقانون الأمريكي»، معتبراً أن «أي مصرف يخالف هذا القانون لن يتأذى أبداً لأن الحزب لا يملك حسابات في المصارف». وكعادته «حزب الله» يقول شيئاً ويفعل عكسه، بدأ الحزب ب «اتخاذ إجراءات وصفت بالقاسية لإبطال آثار العقوبات التي تفرضها عليه واشنطن أو لتخفيفها»، بحسب مصادر«اليوم». إلى ذلك، تترقب الأوساط المصرفية والسياسية زيارة مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين الذي سيزور لبنان خلال أيام وليس مساعده دانييل غلايزر، تعبيراً عن اهتمام الإدارة الأمريكية بتطبيق القانون في لبنان كما في بلدان العالم. وتهدف الزيارة الى الاطلاع على الإجراءات اللبنانية المتخذة لمواجهة نقل الأموال بطرق غير شرعية ومكافحة تمويل «حزب الله» و«داعش» والمنظمات الإرهابية التي تخضع للتدابير القانونية والمالية الأمريكية والتي تطبق في مختلف دول العالم، بالإضافة الى شرح القانون الأمريكي وأهدافه. قانون منع التمويل أقر الكونغرس الأمريكي القانون رقم 2297، في جلسته الأولى المنعقدة في 6/12/2015 وصدَق عليه في 18/12/2015. يسعى هذا القانون إلى منع حزب الله والكيانات المرتبطة به من النفاذ إلى مؤسسات مالية دولية ومؤسسات أخرى لأهداف مختلفة. ويتعهد أشد العقوبات الأمريكية على الحزب وأي منظمة أو فرد تابع لها، وأي مؤسسة مالية في أي مكان في العالم تسهل أعماله عن دراية. أما لناحية بيان السياسات فستتبع الولاياتالمتحدةالأمريكية السياسات التالية: 1 منع شبكة «حزب الله» اللوجيستية والمالية العالمية من العمل، للحد من تمويل أنشطته المحلية والدولية. 2 واستخدام الطرق الدبلوماسية والتشريعية والتنفيذية كافة لمكافحة أنشطة حزب الله «الإجرامية العالمية»، كوسيلة للحد من قدرة هذا التنظيم على تمويل أنشطته «الإرهابية العالمية». «المركزي» يمتثل في خضمّ الجدل السياسي حول ماهية القانون الأمريكي ضد حزب الله وضرورة تطبيقه وقانونيته، أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 137 بتاريخ 3 ايار/ مايو 2016. إذ أوجب على المصارف اللبنانية تنفيذ عملياتها بما يتناسب مع مضمون القانون الأمريكي المذكور والأنظمة الصادرة، أو سوف تصدر، عن السلطة التنفيذية في الحكومة الأمريكية. كذلك أوجب على هذه المصارف إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان فوراً بالإجراءات والتدابير التي تتخذها ضد أي شخص تنفيذاً للقانون الأمريكي المنوَّه عنه وأنظمته التطبيقية مع توضيح أسباب اتخاذ تلك الإجراءات والتدابير. جرى ربط التعميم المذكور بضمان الاستقرار التسليفي وتفادي الإجراءات التعسفية ضد المصارف، ولا سيما لناحية مقاطعة المصارف المراسلة للمصارف اللبنانية، وبالتالي الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا. ورحبت جمعية المصارف بالتعميم وأيدت تطبيقه، وهو الأمر الذي خلق جدلاً واسعاً على المستوى المحلي وهدد بضرب القطاع المصرفي والاستقرار النقدي، وهو ما دفع حاكم مصرف لبنان إلى إصدار بيان توضيحي للتعميم 137 (الذي سيتحول إلى تعميم بحد ذاته) أورد فيه أن التعميم 137 يريح المصارف المراسلة ويؤكد ملاءمة العمل المصرفي في لبنان للمعايير الدولية، بما يفضي إلى تفادي إمكان تطبيق المصارف المراسلة سياسة التقليص من المخاطر (de-risking) التي قد تعزل لبنان مصرفياً عن العالم، وهو الأمر الخطر، لكون لبنان يستقطب تحويلات مغتربين بقيمة 8 مليارات دولار سنوياً. في المقابل، عدّل الحاكم آلية تطبيق التعميم 137 لناحية توسيع صلاحية هيئة التحقيق الخاصة، إذ أعلن حاكم مصرف لبنان أنه جرى التوافق، في اجتماعها الأخير، على المبادئ الأساسية التي ستتابع بموجبها تصرفات المصارف مع زبائنها في سياق تطبيق التعميم رقم 137، إذ يحق قانوناً لهذه الهيئة، دون سواها، الاطلاع على الحسابات الدائنة والمدينة من دون الاعتداد تجاهها بالسرية المصرفية.