منذ تأسس هذا الصرح الشامخ، على يد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، اعتمدت المملكة سياسة ثابتة، قائمة على التمسك بحبل الله، واعتماد شرعه طريقا للهدى ودستورا للبلاد. وقد عنى ذلك فيما يعنيه، أن العقيدة السمحاء، هي النبراس الذي حكم مسيرة هذه البلاد، بما تحمله من قيم العدل والمحبة والتسامح، والتمسك بالقرآن الكريم، وقول العلي سبحانه وتعالى: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وقوله سبحانه وتعالى أيضا «وجادلهم بالتي هي أحسن». «فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» صدق الله العظيم. كان ذلك ولا يزال، هو المنهج السعودي، وهو منهح حكم السياسات الداخلية والخارجية للمملكة، ولم تحد عنه، بإذن الله قيد أنملة. الانتصار للمظلوم على الظالم، ومساعدة المحتاجين، والوقوف إلى جانب الأشقاء العرب والمسلمين، أمام المحن التي يتعرضون لها. وكان العطاء سخيا، من غير منّ، ولا مطالبة بمقابل. وفي مجال تطبيق هذه السياسة، انفتحت المملكة بقوة، على المؤسسات العربية والإسلامية، وساهمت في دعم الأشقاء، ونصرة دين الله، من خلال فتح المعاهد العلمية والدينية، وبناء المساجد، أينما تواجد المؤمنون بعقيدة الإسلام. ووقفت المملكة تدعم المظلومين من المسلمين، في كافة أنحاء العالم. وقفت إلى جانب حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين، وطالبت بحماية عروبة القدس، ودافعت عن ميراثها الإسلامي أمام محاولات تهويد مدينة القدس، التي عمل الصهاينة، على تشويه هويتها العربية والدينية. ناصرت المملكة الأشقاء العرب، في كل معاركهم من أجل نيل الاستقلال، فشارك الجيش السعودي، عام 1948م، لحماية حقوق الفلسطينيين. ووقفت المملكة بقوة، إلى جانب الأشقاء في مصر، أثناء العدوان الثلاثي الغاشم، الذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956م. وكان للمملكة دور أساسي، في صمود مصر وشعبها بمواجهة ذلك العدوان. وناصرت المملكة بقوة شعب الجزائر، في معركة استقلاله. وفي كل الحروب التي خاضها العرب، من أجل الدفاع عن عروبة فلسطين، كان للجيش السعودي، شرف المشاركة فيها، مقدما الغالي والنفيس دفاعا عن الكرامة العربية. وقد ارتبط اسم المملكة، بشكل خاص، في معركة العبور في 6 أكتوبر عام 1973م، وفي مبادرات لا تعد ولا تحصى، لنصرة القضية الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، فوق ترابه الوطني. ومن قبل ذلك، وقفت المملكة مع الأشقاء المسلمين في باكستان، أثناء معركة استقلالهم، كما وقفت مع الأشقاء في أفغانستان، أثناء كفاحهم ضد المد الشيوعي. ووقفت أيضا مع البوسنة والهرسك، في محاولاتهم نيل الاستقلال والحرية لشعبهم. وآنذاك، التقت سياسة المملكة، مع سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، كل لأهدافه وأجنداته الخاصة. ولم يكن التنسيق بين البلدين في كثير من القضايا، أمرا غريبا. فمنذ لقاء المؤسس الملك عبدالعزيز، بالرئيس الأمريكي روزفلت، على ظهر الطراد كوينسي بالبحيرات المرة، تم توصيف العلاقة بين البلدين بأنها علاقة استراتيجية. ورغم اختلاف نظرة البلدين تجاه الكثير، من القضايا، وبشكل خاص ما يتعلق بالعلاقة الخاصة للولايات المتحدة بالكيان الصهيوني، فإن العلاقة الاستراتيجية بين المملكة والولاياتالمتحدة صمدت في وجه الرياح. وكان أقسى امتحان لها، هو عام 1990، عندما غزا الجيش العراقي دولة الكويت، وقادت المملكة المعركة الدبلوماسية، من أجل نصرة الأشقاء بالكويت، وتكللت جهودها بإقامة تحالف عسكري دولي، بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أثناء رئاسة جورج بوش الأب تمكن من تحرير الكويت وعودتها دولة مستقلة. في الحرب الأفغانية، ساندت المملكة المجاهدين الأفغان، في مواجهة المد الشيوعي، انطلاقا من سياستها الثابتة، في مد يد العون للأشقاء والمظلومين. ووقفت الولاياتالمتحدةالأمريكية، من جانب آخر، تقدم السلاح والدعم للمجاهدين الأفغان، وكان ذلك طبيعيا، في ظل الحرب الباردة، الدائرة آنذاك، مع السوفييت. وجرى استقبال زعماء المعارضة، من قبل الرئيس رونالد ريجان، بالبيت الأبيض، بوصفهم أبطالا في مواجهة التغلغل السوفييتي. وقد كان من نتائج تلك الحرب، انهيار الاقتصاد السوفييتي، وفشل سياساته العسكرية، ومن ثم سقوطه الدرامي، بعد فترة وجيزة، من انتهاء تلك الحرب. سالت دماء كثيرة، وانقلب السحر على الساحر. وتحول مجاهدو الأمس، إلى محاربين ضد حليفهم السابق. وتأسست حركة طالبان، لتلعب دورا رئيسا في ملء الفراغ، الذي أعقب خروج السوفييت، من أفغانستان. ووجد فيهم تنظيم القاعدة، موئلا، بعد أن سدت كل المنافذ في وجهه، إثر تحوله إلى تنظيم إرهابي عالمي متطرف، لم تسلم زاوية بالوطن العربي والعالم الإسلامي من شروره. ولم يكن نصيب المملكة من النار التي أشعلها الإرهاب بأقل من نصيب غيرها. تعرضت عاصمتها ومدنها السعودية لجرائم التطرف، وقدمت قوافل الشهداء. وظل يقينها ثابتا وراسخا، وعقيدتها تدعو إلى الخير والحب والتسامح. ومن هذا اليقين، استمدت أجهزتنا الأمنية صلابتها وقوتها، وقدمت نجاحات باهرة في مواجهة العنف والإرهاب والتطرف. وكانت تضحياتنا كبيرة في العليا ومجمع الإسكان بمدينة الخبر، وعشرات الحوادث الأخرى، التي لم تتوقف عن إلحاق الأذى بنا حتى يومنا هذا. وحين جرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، لم تدخر المملكة جهدا، في دعم الجهود المبذولة في الحرب العالمية، التي شنها جورج بوش الابن على الإرهاب. قدمت ما تملك من خبرات ومعارف وتجارب، من أجل إلحاق الهزيمة النهائية بالإرهاب. لكن هذه الجهود الخيرة، لم تمنع العناصر الموتورة، داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي، من بث سمومها، والاصطياد بالماء العكر، متخذة من مشاركة أفراد سعوديين في حوادث سبتمبر ذريعة لتسعير العداء بحق المملكة وقيادتها. وقد بدأ هذا التسعير، منذ تلك الأحداث، لكن القيادة السعودية ظلت حريصة على استمرار علاقتها الاستراتيجية بالولاياتالمتحدة، ولم تمكن العناصر الموتورة في مؤسسة صنع القرار الأمريكي من تعكير هذه العلاقة. لكن تلك العناصر، صعدت من هجماتها، ضد السياسة السعودية، متهمة المملكة زورا وبهتانا، بالضلوع في حوادث سبتمبر الأليمة، وتمكنت للأسف من تحشيد مجلس الشيوخ الأمريكي، لدعم مزاعمها الخبيثة. فقد أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون، تحت عنوان «العدالة ضد رعاة الإرهاب» يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة الحكومة السعودية. وسينقل ذلك المشروع إلى مجلس النواب للتصويت عليه. لكن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما أبلغ، من غير لبس، انه سوف يستخدم حق النقض (الفيتو) ضد المشروع. وقد قدم مشروع القانون السيناتور الديمقراطي تشاك شومر والسيناتور الجمهوري جون كورنين، ويتوقع تمريره في مجلس النواب أيضا. وفي سياق هذه الحملة الظالمة على المملكة يبرز السؤال: لماذا اختير هذا التوقيت، من قبل مجلس الشيوخ لطرح مشروع القانون، بعد مضي قرابة خمسة عشر عاما على أحداث سبتمبر؟ التقرير مبني أولا على مشاركة خمسة عشر سعوديا، ضمن 19 شخصا في تنفيذ هجمات سبتمبر. وعلى فرضيات لم يتم فحصها حول علاقة بعض الأفراد المشاركين، أو الذين ثبت تقديم خدمات لهم في واشنطون، وألمانيا. ودور لبعض أئمة المساجد السعوديين، بالولاياتالمتحدةالأمريكية، والذين يتلقون دعما ماليا من الحكومة السعودية. وقد نوقشت هذه الفرضيات من قبل، وصدر تقرير خاص، صدر عن «لجنة هجمات 11 سبتمبر/أيلول» عام 2004، توصل إلى أنه لا يوجد دليل، يفيد بأن الحكومة السعودية كمؤسسة أو أي مسؤول سعودي بارز، قام بالتمويل بشكل فردي لمنفذي الهجمات. العودة إلى هذا الموضوع بعد أكثر من عشرة أعوام على صدور التقرير المذكور، تشير إلى نوايا مبيتة ضد المملكة، لدى البعض من المتنفذين في صناعة السياسة الأمريكية. وإذا ما قرأنا سياق الأحداث العالمية والتطورات في المنطقة العربية، والمواقف السعودية منها، نلحظ أن السياسة المستقلة للمملكة لا تقابل بعين الرضا من قبل أولئك الذين يسعون إلى إدانة المملكة واتهامها زورا بمساندة الإرهاب. لقد أقامت المملكة علاقات ممتازة مع جمهورية الصين الشعبية، وجمهوريات روسيا الاتحادية. وعقدت اتفاقيات عسكرية واقتصادية، مع هذه الدول بما يتجاوز قيمته العشرات من مليارات الدولارات. وفيما يتعلق بأحداث المنطقة العربية، اتخذت المملكة سياسات مستقلة وجريئة، تضع في الاعتبار الأول، موقعها الاستراتيجي في الجغرافيا السياسية، ومصالحها الوطنية. تباعدت المسافات بين سياسة المملكة وسياسة الولاياتالمتحدة حيال كثير من القضايا. وفي مقدمتها الموقف من الأزمات في اليمن وسوريا ولبنان. وكان دور المملكة من الإطاحة بحكم الإخوان وتأييدها الصريح لقيادة الرئيس السيسي، نقطة افتراق أخرى. وليس جديدا القول، ان بعض المتنفذين بصنع القرار بالولاياتالمتحدة ينظرون بغير الرضا للسياسات المستقلة التي ينتهجها حلفاؤها الاستراتيجيون. والمملكة اختارت طريق استقلال صنع القرار. ومن هنا يشكل قرار مجلس الشيوخ، موقف ابتزاز، يؤمن في حالة تحققه عدة أهداف. فهو أولا ضغط سياسي، بهدف جعل سياسات المملكة متماهية بالمطلق رؤية من يقفون خلف إصدار قرار مجلس الشيوخ. وهو ثانيا ابتزاز مالي، في مرحلة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. بما يضاعف من الضغوط السياسية، على المواقف المستقلة للمملكة. وهو ثالثا، يأتي ردا من قبل المؤيدين للسياسات الإسرائيلية، على التحالف الاستراتيجي بين المملكة والأشقاء في مصر، وبشكل خاص بعد القرار التاريخي، الذي اتخذ إثر الزيارة الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بربط البلدين بجسر يعبر خليج العقبة من المملكة إلى الضفة الأخرى، قريبا من شرم الشيخ. وبأتي أيضا، ضمن الحملة الصهيونية الشرسة، الهادفة لدفع المملكة لإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل، قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، أسوة بما حدث لمصر والأردن وعدد آخر من البلدان العربية. وإذن فهي مواجهة مع اللوبي الصهيوني، ومع أرباب الصناعة بالولاياتالمتحدة، الذين لا تريحهم سياسات المملكة المستقلة. وهي أيضا مواجهة مع بعض الصقور، من صناع السياسة الأمريكية، الذين يرون في قيام علاقات بين المملكة والصينوروسيا، أخذا من حصتهم. لكن ذلك لا يجب أن ينظر إليه كخطر محدق. فالقرار لن يصبح نافذا إلا بتصديق الرئيس الأمريكي عليه. وذلك ما بات غير وارد في هذه المرحلة، إلا في حال حصول المشروع على أغلبية ساحقة من قبل مجلس النواب، وذلك ما لا تشي الحقائق على الأرض، بإمكانية حدوثه. فغالبية أعضاء مجلس النواب، هم من الجمهوريين، وهم معروفون تاريخيا بالغالب بعلاقاتهم الجيدة مع المملكة، ولا يتوقع أن يحصل مشروع القانون على الأغلبية في مجلس النواب. ومع ذلك فإن ذلك لو حدث لا سمح الله، سيتم نقضه من قبل الرئيس. ولن يتم العمل به إلا في حالة إعادته لمجلس النواب مرة أخرى، للحصول على الأغلبية السابقة، وذلك ما يمكن القول بصعوبة نجاح المناوئين للمملكة في تمريره. وفي كل الأحوال، ينبغي رفض سياسة الابتزاز، والتأكيد على الثوابت الوطنية والقومية للمملكة، واعتبار اللحمة الوطنية، هي الضمان الأكيد لاستقرار المملكة، مع التأكيد على صواب السياسة السعودية في محاربة الإرهاب والتطرف. وإبداء الرغبة، في استمرار العلاقة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، على أساس الندية والتكافؤ، وما يخدم المصالح المشتركة للبلدين الحليفين. وقفت المملكة بقوة بجانب مصر أثناء العدوان الثلاثي الغاشم، وساهمت في صمود شعبها لمواجهة العدوان شارك الجيش السعودي أشقاءه العرب من أجل الدفاع عن عروبة فلسطين