هذه قضية أمن قومي كما اعتبرها الخبير السياسي والأكاديمي الدكتور عبدالسلام علي نوير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، الذي حذر من خطورة استمرار تجاهل نزيف العقول والأدمغة العربية المهاجرة إلى الغرب، مؤكدا أن الدول النامية عموما والعربية منها على وجه الخصوص هي التي تدفع الثمن من رصيدها الفكري وقدراتها البشرية. للأسف هذا ما يحدث بالفعل وفيه الكثير من الظلم للأوطان التي ترسل البعثات للتعليم العالي وتنفق الكثير على أبنائها والمستفيد دول أخرى!!. هذه الخسارة والجهود الضائعة والطاقات الإنتاجية العلمية كلها تذهب لغير أوطانها، في الوقت الذي أوطانها في أمس الحاجة للتنمية الوطنية في كل المجالات خاصة التعليم والصحة والاقتصاد والتخطيط والبحث العلمي. الغريب أن الدول العربية تدفع أموالا طائلة لاستجلاب خبرات دولية، أو الاستعانة بخبرات أجنبية، بينما الكفاءات الوطنية موجودة؛ مما يسبب الإحباط واليأس وضعف الانتماء والوطنية الذي يدفعهم للهجرة!!. استشهد بكفاءة في إحدى الدول العربية الشقيقة أخذت الدكتوراة من كندا، وحمدت الله أنها ستعود وتخدم وطنها، إلا أنها صادفت الكثير من المضايقات التي كادت تقتل طموحاتها ونجاحها وإبداعها، تعقيد وتصعيب للأمور، مثل: شهادتك غير مطلوبة عندنا ولا ترتقي لمستوى الوظائف العليا هنا، لو تحبي نحسبها لك ماجستير!!. تصوروا!! تقول: «ما هانت علي سنين عمري، وما هان علي فكري وجهدي»، فهاجرت بعلمها واستفاد منها الغرب. وهناك تقلدت أرفع المناصب وتم تصنيفها كأفضل النساء في التاريخ في كندا بالنسبة لكفاءتها العلمية وإبداعاتها. وأمثالها كثير، وبعضهم حصل على جائزة نوبل وما في مستواها من درجات التقدير. خسارة مستمرة تتكبدها الأوطان بفقد موارد حيوية وأساسية وطاقات إنتاجية علمية بسبب تصرفات عشوائية ربما يحكمها الأسلوب غير المهني وقلة الاهتمام بالبحث العلمي، وأحيانا غيرة وحسد من فئات لا تخدم مصلحة أوطانها. في الغرب - وأنا لا أحب الإشادة بالغرب إلا في ظروف كهذه - تتوافر البيئة الحاضنة والجاذبة للإبداع العلمي وكافة التسهيلات اللازمة، بعكس بعض المجتمعات العربية للأسف التي تُعتبر بيئات طاردة للكفاءات والأدمغة العلمية. لماذا نعطي الفرصة للدول الغربية بأن يفوزوا بنصيب الأسد من كفاءاتنا النادرة في أهم التخصصات الإستراتيجية كالطب بأنواعه والجراحات الدقيقة والعلاج بالإشعاع النووي وعلوم الليزر وتكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والتكنولوجيا عامة وغيرها؟ أتمنى على أبنائنا أن يكون لديهم الحس الوطني، وأن يعودوا لأوطانهم فهي أولى من غيرها، وأتمنى على الدول العربية دعمهم بكل أنواع الدعم وتطوير السياسات المشجعة على تطوير البحث العِلمي، وعدم التفريط في الكنوز التي وهبها الله لنا، وإن استفاد منها الغير فلا مانع بشرط أن يعودوا ولا نخسرها نحن. همسة.. توجد لدينا كفاءات وقدرات نادرة، ولكن يوجد أيضا من يضع لها العراقيل المحبطة فتصاب بالشلل أو باليأس، للعلم توجد حالات مشابهة للأخت التي تكلمت عنها، والتي كادت تُحرم شهادة الدكتوراة وفضلت الهجرة للبيئات المحفزة بدلا من بيئتها الطاردة، إلا أن هذه الحالة المشابهة تثق في اهتمام المسئولين الكرام ومن بيدهم الأمر وحرصهم، وفقهم الله.