في عام 1911م قام عامل إيطالي في متحف اللوفر في باريس بسرقة لوحة فنية للرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دافينشي. حيث كان يعتقد بأن من حق الإيطاليين أن يكون مكان عرض هذه اللوحة في إيطاليا وليس في فرنسا. لكنه سرعان ما اكتشف أن التخلص من اللوحة أصعب من سرقتها، وتم اعتقاله حين حاول بيعها إلى معرض في مدينة فلورنس الإيطالية. تناقلت الأخبار قصة السرقة هذه، وانقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض، حيث أعجب الإيطاليون بوطنية اللص، وقاموا بعرض اللوحة في أنحاء إيطاليا قبل إعادتها لمالكها الفرنسي. كانت هذه اللوحة بالطبع هي الموناليزا الشهيرة، وهي تعد اليوم أفضل وأشهر عمل فني. يورد دنكن واتس (Duncan J. Watts)، الباحث في شركة مايكروسوفت، هذه القصة في كتابه «كل شيء بديهي حالما تعرف الإجابة» (Everything Is Obvious *Once You Know the Answer)، ليشرح نقطة مهمة وهي أن معظم التفسيرات لشهرة الموناليزا هي تبريرات دائرية، أو كما يعبر المثل العربي تفسير الماء بعد جهد بالماء. حيث إن معظم التفسيرات لشهرة الموناليزا تعتمد على خواصها، مثل غموض قصتها، أو طريقة رسمها، أو سر ابتسامتها، أو نظريات المؤامرة التي نسجت حولها. لكنه يشرح كيف أن العديد من اللوحات الأخرى تشاركها في بعض أو كل هذه الخواص، أما التفسير المحتمل الذي يقدمه لشهرتها فهو أنها قد تكون حصلت على شعبية متراكمة بعد سرقتها، وبفضل التأثير الاجتماعي استمرت في كسب المزيد من الشعبية دون سبب محدد. ويقدم واتس دليلاً على هذه النظرية وهو تجربة اجتماعية تعتمد على ما يسمى ب«العلوم الاجتماعية الحسابية» (Computational Social Science) أو «علم الشبكات» (Network Science)، وهي مجال جديد يعتمد على استخدام آخر التقنيات في أساليب التحليل وشبكات التواصل الاجتماعي لدراسة جوانب اجتماعية مختلفة. ويشرح واتس تجربة مختبر الموسيقى التي أجراها والتي تعطينا إضاءة على كيف تكتسب بعض الأعمال شعبية أكثر من غيرها. والتجربة اعتمدت على طريقة اختبارات أ/ب، عن طريق صنع عدد من النسخ من موقع لتحميل أغان لفرق موسيقية مغمورة، والفرق بين هذه النسخ هو إظهار عدد مرات تحميل كل أغنية. ففي إحدى هذه النسخ أظهرت بعض الأغاني كأنها حصلت على عدد أكبر من مرات التحميل، بينما أعطيت غيرها هذه الميزة في النسخ الأخرى، إضافة إلى نسخة «تحكم» لا تظهر عدد مرات التحميل السابقة. وقدمت هذه النسخ إلى المشاركين في التجربة بشكل عشوائي، فحصلت كل الأغاني على شعبية مترابطة بشكل ملحوظ مع عدد مرات التحميل المسبقة التي أعطيت لها في كل نسخة. بينما حصلت أفضل الأغاني، أي التي تم تفضيلها في نسخة التحكم، على معدل شعبية أكبر من غيرها في جميع النسخ. واستنتج واتس من هذه التجربة أن التأثير الاجتماعي يؤثر بشكل كبير على شعبية الأعمال، لكنه لا يلغي أهمية جودة هذه الأعمال. هذا التأثير الاجتماعي يؤثر على شعبية الأعمال الفنية، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي نفسها التي يستفاد منها لدراسة هذه الظواهر، بالإضافة إلى العديد من المنتجات والخدمات. فبينما نجح فيسبوك وتويتر في جذب والمحافظة على مئات ملايين المشتركين، فشل عدد من الشبكات الاجتماعية الأخرى في ذلك. وهذه الدراسات تستخلص أن ميزة صغيرة ابتداءً قد تعطي المنتجات شعبية متراكمة أكبر من منافسيها، وهذا يفسر إلى درجة كبيرة كوننا نجد منتجات متساوية في الجودة مع فارق ضخم في الشعبية، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أن الأول هو الذي سينجح دوماً.