عملت أفكار دونالد ترامب المتعلقة بإدارة مالية الحكومة الأمريكية على توليد الكثير من النقاش، ما يسلط الضوء المناسب على نهج ترامب غير التقليدي نحو السياسة الاقتصادية. لكن يتعيّن على ترامب معالجة قضية بالغة الأهمية: كيف يمكنه إدارة صراع محتمل مع واحدة من أقوى المؤسسات في العالم - الاحتياطي الفيدرالي. اقترح ترامب زيادات كبيرة في الإنفاق وتخفيضات ضريبية حادة، وهو مزيج قدرت اللجنة غير الحزبية المسؤولة عن الميزانية الفيدرالية أن من شأنه زيادة الدين الحكومي ليصل إلى 129 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عشر سنوات، من أصل 75 بالمائة الآن. (حسب علمي، هذا التقدير لا يشمل مقترحات ترامب الأخيرة لزيادة الإنفاق على البنية التحتية والإنفاق العسكري). المخاوف من أن سياسات ترامب يمكن أن تستثير أزمة ديون سيادية دفعَتْه إلى تقديم خطط غير قابلة للتطبيق إلى حد كبير لإعادة التفاوض بشأن الديون الأمريكية. مع ذلك، ليس هنالك في الواقع سبب وجيه للاعتقاد بأن مثل هذه الأزمة يمكن أن تحدث. كما ذكرت في مقال سابق بعنوان «مراقبة العجز.. وليس الديون»، ليس بالضرورة أن تكون القدرة على تحَمُّل عبء الديون البالغة نسبتها 129 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي أقل من القدرة على تحَمُّل عبء بنسبة 75 بالمائة. ما يهم هو مسار العجز في الميزانية، الذي يجب على الولاياتالمتحدة السيطرة عليه على مدى نصف القرن القادم إما من خلال رفع الضرائب أو خفض المنافع بالنسبة للسكان الأكبر سنا. لا تحتاج الولاياتالمتحدة لأن تبدأ تلك العملية فورا - والمزيد من الإنفاق الآن ربما يجعل ذلك أسهل عن طريق زيادة احتمالية النمو الأطول أجلا للاقتصاد. علاوة على ذلك، يبدو العالم أنه بحاجة للمزيد من الأصول الآمنة، مثل سندات الخزانة الأمريكية لتمويل العجز في الإنفاق. خطط ترامب في المالية العامة من شأنها المساعدة في تلبية هذا الطلب. المشكلة هي أن مقترحات ترامب من المحتمل أن تقع في صراع مباشر مع السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، ذلك أن المزيد من الإنفاق الحكومي وانخفاض الضرائب من شأنه أن يولد المزيد من الطلب على السلع والخدمات، وهذا من شأنه أن يزيد من الضغوط الانكماشية، ما يثير السؤال التالي: كيف يمكن أن يكون رد فعل الاحتياطي الفيدرالي؟ في الوقت الراهن، يرسل الاحتياطي الفيدرالي إشارات متضاربة. من ناحية، يريد رفع أسعار الفائدة تدريجيا فقط - وهو نهج سلبي إذا اقترن مع مقترحات ترامب، فإنه سوف يولد المزيد من العمالة والتضخم. والخطر يتمثل في أن التضخم يمكن أن يتجاوز الأهداف المعلنة لدى الاحتياطي الفيدرالي، ما يخلق توقعات بحدوث ارتفاع في التضخم من شأنه أن يتطلب اتخاذ تدابير اقتصادية مؤلمة لتخفيفها. من ناحية أخرى، نظرا لأن الاحتياطي الفيدرالي كان يعمل بالفعل على إزالة التحفيز في غياب الضغوط التضخمية، من المعقول أن نتوقع أن البنك المركزي سوف يعمل على تشديد السياسة بشكل أسرع بكثير إذا ظهر التضخم فعليا. ومثل هذا النهج النشط من شأنه خنق الطلب في القطاع الخاص، ما يحبط الأثر الإيجابي المحتمل لسياسات ترامب المالية.