اتهمت ميليشيا حزب الله اللبناني، أمس السبت، جماعات مسلحة في سوريا بقتل قائدها العسكري مصطفى بدر الدين، في اتهام نادر توجهه لهذه المجموعات باغتيال مسؤول كبير بهذه الأهمية، وأعلنت الميليشيا التي تعيش حالة من التخبط أن الانفجار الذي أدى إلى مقتل بدر الدين ناتج عن قصف مدفعي. وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن احتمالات أن يكون الإرهابي المتهم باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري تمت تصفيته بسبب القضية، أو أن إيران قضت عليه لخلافات ميدانية حول اعتراضه على الزج بمقاتلي الحزب بكثافة بالغة من قبل الإيرانيين، ما نتج عنه خسائر فادحة للميليشيا، دفعت به للاحتجاج ومخالفة القيادات العسكرية الإيرانية التي تدير الحرب إلى جانب النظام السوري، وعزز من شكوك التخلص منه نفي رسمي للتحالف الدولي بأن طائراته لم تحلق ليلة مقتل الإرهابي بدرالدين، عوضا عن تضارب تصريحات قيادات حزب الله أثناء مراسم التشييع في بيروت عن احتمال قصف إسرائيل للمقر الحزبي بالقرب من مطار دمشق، حيث أشاروا لمقتله وحده عقب اجتماع أمني ضم قادة عسكريين وأمنيين. فيما شكك المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس في الرواية الرسمية لميليشيا حزب الله، بأن قصف الجماعات المسلحة تسبب في مقتل قائدها العسكري، وقطع المرصد بأنه «لم يحدث قصف من جماعات مسلحة في هذه المنطقة منذ أكثر من أسبوع». وقالت ميليشيا حزب الله في بيان أصدرته أمس السبت: إن «التحقيقات الجارية لدينا أثبتت أن الانفجار الذي استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي، وأدى إلى مقتل مصطفى بدر الدين، ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات المتواجدة في تلك المنطقة». إلا أن مدير المرصد السوري، رامي عبدالرحمن، قال لرويترز: إنه «لم يسجل أي سقوط قذائف أو إطلاق قذائف من الغوطة الشرقية على مطار دمشق الدولي منذ أسبوع». وكان نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، قال أمس الأول الجمعة: إن الميليشيات ستعلن خلال ساعات نتائج التحقيقات في مقتل مصطفى بدر الدين في سوريا، بحسب ما نقلته عنه وكالة «رويترز». وفي السياق نفسه، لم يتبنّ أي فصيل مقاتل أو جهادي في سوريا اغتيال بدر الدين، القائد العسكري الأهم في حزب الله منذ اغتيال سلفه عماد مغنية في دمشق في عام 2008م. ولم يحمل حزب الله في بيانه أي جماعة محددة مسؤولية اغتيال بدر الدين، الذي قتل جراء «انفجار كبير» استهدف أحد مراكزه قرب مطار دمشق الدولي، حيث هناك تواجد كبير لجيش النظام السوري ومقاتلي حزب الله ومقاتلين إيرانيين. وتقع أقرب نقطة لفصائل المعارضة المقاتلة على بعد سبعة كيلومترات من مطار دمشق، في الغوطة الشرقية. بدوره، أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن لوكالة فرانس برس أنه «لم يسجل إطلاق أي قذيفة مدفعية خلال الساعات ال72 الماضية من الغوطة الشرقية باتجاه المطار». وغالبا ما درج الحزب على اتهام اسرائيل باغتيال قيادييه، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة. واستهدفت إسرائيل مرارا بغارات جوية مواقع حزب الله في سوريا وشحنات صواريخ يتم نقلها لحسابه. واتهم الحزب إسرائيل بقتل كل من عماد مغنية في تفجير سيارة مفخخة في عام 2008م، والقيادي العسكري سمير القنطار بغارة إسرائيلية في ديسمبر الماضي قرب دمشق. من جانبهم، أكد مسؤولون إسرائيليون أن إسرائيل ليست بالضرورة مسؤولة عن هذا الاعتداء. وقال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لصحيفة «هآرتس»: إنه على رغم أن قتل بدر الدين «خبر سار» لكن «إسرائيل ليست دائما مسؤولة عن ذلك». وقال مصدر من النظام السوري لوكالة فرانس برس: إن الانفجار وقع ليل الخميس الجمعة في مستودع قرب مطار دمشق الدولي، موضحا أن أحدا لم يسمع ضجيج طائرة قبل الانفجار، كما أن أحدا لم يعرف أن بدر الدين كان موجودا في هذا المكان. ويشكل المطار ومحيطه جزءا من منطقة المعارك في السيدة زينب، التي تسيطر عليها قوات النظام السوري بشكل أساسي إلى جانب وجود مقاتلين إيرانيين ومن مليشيا حزب الله. ويعد بدر الدين، الملقب ب«ذو الفقار» والبالغ حوالى 55 عاما، أرفع القادة العسكريين في الحزب، وهو شقيق زوجة القائد السابق عماد مغنية. وقد حل محله، وكان مسؤولا عن عمليات الحزب في سوريا. إلى ذلك، تتم محاكمة بدر الدين مع أربعة من رفاقه في الحزب غيابيا أمام المحكمة الخاصة بلبنان قرب لاهاي، بعد اتهامه بأنه «المشرف العام على عملية» اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في بيروت في فبراير 2005م والتي أدت إلى مقتل 22 شخصا آخرين بينهم منفذ الاعتداء. ورفض حزب الله تسليم المتهمين الخمسة. ونشر «حزب الله»، أمس السبت، نتائج تحقيقاته التي أجراها بخصوص كيفية مقتل قائده العسكري في دمشق مصطفى بدر الدين. وقال الحزب: إن بدر الدين قتل في قصف مدفعي، مكذّبا ما ذكرته صحيفة تابعة له، نشرت تقريرا تحدثت فيه عن أن مصطفى بدر الدين قتل بصاروخ موجه شديد التطور، وأن هذا الصاروخ يعمل «وفق آلية تجعل منه أقرب إلى القنبلة الفراغية». واستندت صحيفة «الأخبار» في تقريرها إلى أن مصطفى بدر الدين لم تبد عليه إصابات تنتج عن انفجار، بل مجرد نزف في الأنف والعينين، كما ذكرت الصحيفة. وفي لبنان، امتنعت المحكمة الدولية الخاصة عن التعليق على مقتل القيادي العسكري في ميليشيا «حزب الله»، والذي قتل في دمشق، في عملية لم تتضح تفاصيلها بعد في شكل نهائي وموثّق. وقالت المحكمة على موقعها الإلكتروني: إنها أخذت علماً «بالتقارير التي نشرت أمس الأول الجمعة في وسائل الإعلام والتي أعلن فيها عن وفاة مصطفى بدر الدين»، مؤكدة أنها «لا تستطيع» التقدّم بأي «تعليق» حول إعلان الوفاة قبل «صدور قرار قضائي». إلا أن مصادر إعلامية قريبة من «حزب الله» قالت: إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد تطلب تأكيداً رسمياً بمقتل بدر الدين، وأنها قد تطلب، في السياق عينه، إجراء فحوص ال«دي. إن. إيه» للتأكد من وفاة الشخص المعني والذي سبق ووجهت له المحكمة اتهاماً رسمياً باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.وكانت صحيفة الأخبار التابعة للحزب تحدثت عن مقتل مصطفى بدر الدين بصاروخ سقط بالقرب منه بحوالي مترين، ورجّحت بأن يكون الصاروخ فراغياً لأنه لم يؤد إلى حدوث إصابات بادية على جسد القتيل، بل فقط أدى إلى خروج الدم من أنفه ومن عينيه، كما قالت الصحيفة في عددها الصادر أمس السبت، وقالت: إن مصطفى بدر الدين قتل بعد انتهاء اجتماع كان يجريه مع بعض أفراد ميليشيات حزبه. وأن انفجار الصاروخ تلا خروج المجتمعين وبقاء بدر الدين في مقر الاجتماع، مشيرة إلى أن القيادي القتيل أصيب بجروح بسيطة في بطنه وأسفل رأسه. ورجّحت الصحيفة في تقريرها أن يكون بدر الدين قد قتل بصاروخ موجّه شديد التطور. وتتحدث مصادر مختلفة عن بلبلة ضربت أوساط «حزب الله» في سوريا جراء مقتل مصطفى بدر الدين، في منطقة تعتبر «ممسوكة أمنياً» من جهته هو، أو من جهة نظام الأسد الحليف. وقد جاء في بعض الصحف العربية، أمس السبت، أن مكان التفجير الذي قتل فيه مصطفى بدر الدين «هو واحد من أكثر المناطق أماناً وتأميناً، ليس في العاصمة فقط، وإنما في جميع أنحاء سوريا». وسبق أن سمّي مصطفى بدر الدين «شبحاً» لدى كثير من الذين تناولوا شخصيته. نظرا لتغيير مكان إقامته المستمر وغموض تنقلاته وملامحه وتغيير اسمه وصفته ومهنته. إلا أنه رغم تلك الشبحية، كان القائد العسكري الوحيد لدى «حزب الله» اللبناني الذي يشار إلى مكان إقامته علناً، وذلك في خبر نشرته وسائل إعلام تابعة للحزب المذكور في وقت سابق من العام الماضي، قالت فيه: إن بدر الدين يقاتل في سوريا ولن يعود من هناك إلا قتيلاً. مما أثار استغراب عدد كبير من المراقبين والمحللين السياسيين حول سبب إعلان «حزب الله» مكان إقامة مصطفى بدر الدين في دمشق، في الوقت الذي يحرص فيه الحزب حرصاً مفرطاً على مكان عمل قادته وساحة نشاطهم، خصوصا مع واحد مثل مصطفى بدر الدين، الذي اعتبر خليفة للقائد العسكري في الحزب عماد مغنية، وفي الوقت نفسه، مطلوب للعدالة الدولية بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.