بناء القدرات الفردية مسألة تتعلق بحصيلة تراكمية لمزيج من موهبة وخبرات وطموحات، وذلك أمر لا يمكن إعاقته مطلقا إلا إذا استجاب الشخص للتخميل ومعوقات تطوره الذاتي، تحت ضغط من ظروف خاصة واستثنائية، أي لا يمكن أن يكون حالة عامة، فعلى سبيل المثال: لم يكن للطالبة شادن بنت نايف الشمري من الثانوية 19 في الإدارة العامة للتعليم بمنطقة حائل أن يتوقف طموحها عند حصد إحدى الميداليات الذهبية، في أولمبياد البلقان للرياضيات الثالث والثلاثين في ألبانيا، لأنها تمتلك قدرات فردية وموهبة وذكاء، فكان لابد أن تخترق الحواجز لتضيف لمجتمعها ووطنها إنجازا دوليا رفيعا. ذات الأمر ينطبق على من سبقها ممن تبوأن مواقع علمية وحصلن على درجات عالية في التميز الأكاديمي، والقائمة تطول، والمحصلة أن المرأة لا يمكنها أن تتوقف بقدراتها وطموحاتها، في محطات تقليدية وموروث لم يعد مواكبا لمقتضيات التطور. فمجالات الحياة من الاتساع بما يستوعب كل قادرة على الإضافة والإنجاز، أولا على الصعيد الشخصي يما يمكن تكييفه مع تأكيد وتحقيق الذات، وثانيا على الصعيد الاجتماعي بحيث تقدم نموذج الكيان الذي يشارك في المنظومة الاجتماعية بفعالية، وثالثا على المستوى الوطني بما يجعلها عنصرا مؤثرا في المساهمة الفاعلة في البناء والتطوير والمضي بالمسيرة الى الأمام أسوة بالرجل. سئلت مؤخرا: لماذا تبدع المرأة أكثر وبشكل أفضل في العالم الافتراضي الذي تستثمره بنجاح لإظهار قدراتها؟ والإجابة ليست معقدة، وإنما في غاية البساطة، وهي أنها تجد مساحة بيضاء خالية تتحرك فيها دون موانع أو قيود تعوق تقدمها وإظهار قدراتها والحصول على الجرعة التفاعلية المطلوبة في السياق المعرفي والسيكولوجي التي يمكن معها اكتشاف خطواتها وتصحيح مسارها بوعي ذاتي كامل ومتكامل، أي تتمتع بفضاء صحّي وصحيح يجعلها تنطلق وتقدم نفسها بأفضل ما يكون، ثم إن ذلك ينسحب لاحقا على عودتها الى الواقع وهي تكتسب ثقة في نفسها كانت ضرورية بدلا من أن تشك في قدراتها، وما إذا كانت تستطيع ذلك أم لا. فالعالم الحقيقي أكبر من أن يظل حبيسا لمعوقات وعجلة الحياة تمضي ولا تتوقف لأحد، لذلك فإن المرأة من حقها أن تجرّب لتخطئ وتصيب وتستلهم وتبحث عن ذاتها، وتسعى لاكتشافها والانطلاق بها. فكل إنسان داخله عالم كبير يحتاج الى وعي حقيقي وليس مصطنعا، لكي يواجه تحدياته، ويتعامل معها بواقعية ومنطقية، ولا يمكن لأحد أن ينجح في حياته دون خبرات وتجريب واكتشاف واتساع لنطاقه المعرفي، فدون ذلك لا يمكن أن يكتسب الوعي الضروري لأن يصبح مؤثرا وفاعلا وإضافة حقيقية لمجتمعه.