احتفالية العالم بيوم المرأة في الثامن من شهر مارس من كل عام، ليست سلوكا منبريا روتينيا بقدر ما هو تسجيل لتطور حال المرأة ومنجزاتها في مجالات الحياة المختلفة، ومثل هذه الاحتفاليات تقودنا بالضرورة إلى عيش أجواء عالمية تضامنية فاعلة ودافعة لتطوير المشاركة الإنسانية في المجالات المختلفة، ولذلك ليس بالضرورة النظر إليها على أنها التفاف حول طرف ضعيف أو يتعرض لانتقاصات، فهناك أيام أخرى كثيرة الهدف منها تحفيز الاتجاه الإنساني لتطوير الإيجابيات وتعزيزها. تاريخ هذا اليوم الخاص بالمرأة يعود إلى منتصف القرن العشرين، وفي تلك الفترة بدأت تظهر بوادر مشاركتها في الحياة العامة، ومن ثم انطلقت في مسيرة إنجازات متعددة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك يجعلنا في المسارات الوطنية نتوقف عند حصادها وكسبها بذات الرؤية لتطوير الإيجابيات والتعاطي مع السلبيات التي تلحق بها. وبصورة عامة في جميع مجتمعات العالم هناك إشكاليات نسبية تتعلق بحقوق المرأة، وفي أكثر المجتمعات ليبرالية هناك تحديات، ولكن الفكرة الحضارية والإنسانية هي التي تمتص تلك التحديات وتواجهها وتوظف قدرات وطاقات المرأة لصالح أوطانها ومجتمعاتها، ووفقا لذلك فإن أكثر المجتمعات رقيا في احترام المرأة هي التي تمنحها حقوقها وتقدّرها طاقة إنسانية فاعلة ومؤثرة في الحراك المجتمعي. من الضروري أن تشارك المرأة في عمليات البناء بذات الفكر الذي يستوعب الرجل في هذه العملية، في أعقاب الثورة البلشفية انتفض لينين وقال إنه لا يمكن بناء الدولة ونصف المجتمع معطّل في المنازل، وهكذا وضع الاتحاد السوفيتي ضمن أحد أقوى دولتين عظميين في العالم، وبغض النظر عن فكرته الثورية أو الأيدلوجية لكن المبدأ الذي اعتمد عليه في دمج المرأة في البناء الوطني وتحرير طاقتها هو الذي منحه في خاتمة المطاف قوة عظمى. لا ينبغي أن تتوقف المرأة عند احتفالية يومها كحدث يميزها، وإنما هو محطة لدراسة الرصيد التراكمي في مسيرة الإنجازات التي تنتزع حقوقها وتعيدها إليها أو تثبتها عن جدارة، وفي اعتقادي أن المرأة السعودية تملك الكثير الذي يؤهلها لأن تكون أكثر فاعلية وانتاجية تجعلها تتجاوز الفكرة الاحتفالية لهذا اليوم العالمي، وتقدم تجربة ملهمة لنساء العالم في حصولهن على الاحترام والتقدير والمشاركة الفاعلة والإيجابية في تطوير الحياة العامة وبناء دولتها ووطنها بجانب الرجل، خاصة وأنه لا ينقصها الطموح أو التأهيل العلمي أو الإرادة أو دعم الدولة لها لإثبات كفاءتها وتحقيق ذاتها، إنه فرصة مثالية للتوقف الذاتي عند مستوى الإنجاز والصعود عاما بعد آخر بنفسها ووطنها إلى حيث يليق بكليهما.