الشاعر يستقي من مجتمعه أحداث شعره بصوره الإيجابية والسلبية وتناقضاتها بما يراه مناسباً ويصبها في قالب لتكون جزءاً من حياته وحياة من حوله فتخلد بخلود ذلك المجتمع. لذلك لا يستغنى أي مجتمع عن الشعر.. أو عن الشاعر مهما كان هذا المجتمع بدائياً - وكما يقول المازني رحمه الله - الشعر هو الحب وهو البغض وهو الخوف والرجاء وهو الأمل والاحتقار والغيرة والندم والإعجاب والرحمة لذلك فإن الإنسان حيوان شعري. وشاعرنا محمود خرج شعره إلينا من بحر نفسه اللجي يتقاطر أحاسيس وحزناً وأسى فمحمود مسكون بالهَمِّ لأن قلبه احتضن الإنسان. إني أرى في شعر محمود بصمات قلبه أو قطعاً في كبده ، يتماوج بألوان الطيف عندما تمعن النظر فيه يبهرك تداخل الألوان في شكله.. فسترى اللون الأزرق يمتزج بالأخضر بإيحاء هادئ إلى التأمل ودعوة حقيقية إلى الهدوء والتزام السكينة. وأما اللون الأسود وامتزاجه مع الأبيض فإنهما يرسمان لوحة تنضح بالأمل المتشح بالقلق واليأس والأسى الحزين فأبيضه أمل مضيء كضوء الشمس لحظة الشروق وأسوده يأس وأسى وقلق كليل المهموم، بعينين جميلتين أتعبهما الجمال.. وجَمَّلها التعب. ورغم جمال اللون وجمال امتزاجه وجمال تلك العينين وشفافيتهما إلا أنهما تؤكدان أن الإنسان خُلِقَ في كَبَدٍ رغم ما أُعطي من تناغم في الشكل والمضمون والحس والمعنى. (الأستاذ الدكتور الشاعر) ثلاث صفات.. قلما تجدها متوفرة في شخص واحد من لحمٍ ودمٍ ومشاعر وجدتُ هذه الصفات الثلاث في قِلةٍ من الرجال مثل (غازي القصيبي) الأستاذ الجامعي والدكتور بشهادته العليا والشاعر الذي رأيته يسبح في كل البحور .. بحر السياسة وبحر الغزل والوجدان والاجتماعيات ووو... ومثله د/ مانع العتيبة إذ يسبح بمهارة وحذْقٍ وأمثال هؤلاء قليلٌ ما هم.. والشاب محمود بن سعود الحليبي توافرت فيه تلك الصفات حتى صار علماً من أعلام محافظة الأحساء ثقافةً وأدباً وشعراً ومكانة اجتماعية وليس ذلك بغريب عليه فالدكتور محمود غصن كريم من شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء. لقد عرفته منذ أن كان يخط البيت والبيتين من النظم تحت توجيه أخيه الفاضل والشاعر خالد. إلى أن بلغ في هذا الفن منبر جائزة الأمير محمد بن فهد بقصيدة عصماء، وكذلك اعتلى منبر مؤتمر رؤساء الأندية الأدبية الثامن بالدمام عام 1412ه، وكذلك في مهرجان الطفولة بإدارة التعليم بالأحساء وفوق ذلك صدح بخلجات هجرية أمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في حفل أهالي الأحساء عام 1420ه. كل هذه التداعيات انثالت على خاطري وأنا اسمع (كلام في عيون امرأة). الدكتور محمود وُلِدَ شاعراً ذا حس إنساني مرهف يبكي إذا همس النسيم ليلاً في مشاعره.. ويذوب حناناً وشوقاً ورقة إذا صافحت عيناه صفحة البدر ليلة تمامه. ولا يعرف النوم والسكينة إذا سمع بقصة إنسان معذب من همٍّ أو مرضٍ أو هجران محب، قد فتح قلبه نُزُلاً دائماً للمعذبين. وإن هذا البحر المائج بالأصداف واللآلئ والياقوت والمرجان والموسوم ب (كلام في عيون امرأة). ديوان حوى نبض قلب أنثى نحو رجلها. ولأني وقفت كثيراً أمام اعترافات امرأةٍ مهزومة فلنستمع إلى ما قاله على لسانها بعد هذه المقدمة: احتمل عنادها سنوات فلما كبرت شيئاً ما ولَمَّا تزل على طبيعتها، نفد صبره وتركها ورحل فأرسلت إليه تسأله العودة فأجابها: ظننتك (نسيتيني) فأجابته: أنا ما نسيتك يا أعز صحابي .. العين لا تحلو بلا أهداب! منذ ابتعدت أُحسُّ أني ها هُنا شيءٌ بلا معنى.. بلا أحبابِ قصيدة تجذب قارئها إلى دوامة من الحزن والأسف والدموع وخَتْمُها لونه مداد وطعمه نزيف من القلب على لسان هذه الزوجة المخلصة. قال الشاعر على لسانها: عُد لي بربك زورقاً أو طائراً إني مَنحتُكَ أبحري وسحابي أنا ما كتبتُ إليكَ أعتبُ سيدي بمحبتي بالشوقِ مات عِتابي لكنْ كِتابي قد حفرتُ حُروفَهُ بأضالعِي بدمي على أعصابي! فإذا أَتاكَ فَكُن سُطُورَ جوابهِ.. إني رَأيتُ لِقاكَ خيرَ جوابِ!! هذا هو الشاعر محمود بن سعود الحليبي، فمن أراد أن يرى شاعريته فسيجد في هذا الديوان خيرَ جواب.