تملك المملكة أكبر الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط التقليدي الخفيف، وسادس أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، وهي بذلك تُعدُّ أهم دول العالم في مجال النفط والغاز. وتعتمد المملكة على النفط والغاز لإنتاج 100% من طاقتها الكهربائية والطاقة الحرارية التي تستخدم في محطات التحلية والمصانع الأخرى. وبسبب الندرة في المياه وقساوة الجو خاصة في فصل الصيف، ارتفع استهلاك المملكة للطاقة بشكل كبير جدًا حتى اصبح مقلقاً وبحاجة إلى حلول مستعجلة قبل استفحال المشكلة. ولقد استهلكت المملكة في عام 2014م حوالي 142 مليون طن نفط ومن الغاز الطبيعي حوالي 98 مليون طن نفط مكافئ، وبذلك يصبح إجمالي ما استهلكت المملكة في ذلك العام من النفط والغاز حوالي 240 مليون طن نفط مكافئ. ولو نظرنا إلى عشر سنوات ماضية لوجدنا ان المملكة استهلكت حوالي 147 مليون طن نفط مكافئ من النفط والغاز في عام 2004م وهذا يعني ان استهلاك المملكة للنفط والغاز قد ارتفع في عشر سنوات بحوالى 63%. ويعرض الشكل 1 مصادر توليد الطاقة الكهربائية في المملكة. لا شك في ان الارتفاع الكبير للحرق المباشر للنفط الخام في فصل الصيف بغرض توليد الطاقة الكهربائية بات امرًا مؤرقًا. ولقد ارتفع استهلاك المملكة للنفط بطريقة الحرق المباشر للتوليد الإضافي للكهرباء في الصيف الماضي كالتالي: في شهر مايو الماضي تم حرق حوالي 700 ألف برميل نفط خام باليوم وفي أشهر يونيو ويوليو وأغسطس تم حرق حوالي 850 الف برميل باليوم نظرًا للارتفاع الكبير في درجات الحرارة التي شهدتها المملكة. ويمكن القول وبحسب الشكل 2 إنه تم حرق في الستة الأشهر ما بين مايو 2015م - وأكتوبر 2015م ما معدله 780 الف برميل باليوم لتوليد الطاقة بواسطة الحرق المباشر للنفط. وبذلك تصل كمية النفط المستخدم لتوليد الطاقة وعلى الأخص الكهرباء في الستة الأشهر المذكورة اكثر من 140 مليون برميل من النفط الخام فقط لتوليد الكهرباء. هذا بالإضافة الى استهلاك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي وزيت الوقود والديزل. ولا شك في أن 140 مليون برميل تُعدُّ كمية كبيرة وهي تعادل حوالي 11% من إجمالي صادرات المملكة للنفط لنفس الفترة. والجدير بالذكر ان هذه النسبة كانت 9.5% في عام 2011م. وبذلك فان هذا جرس انذار يشير الى ان استهلاكنا للطاقة قد بدأ يأخذ حصة لا بأس بها من الصادرات النفطية. لا سيما أن كميات الحرق المباشر للنفط في المملكة قد ارتفعت بحوالي 20% عن الكميات التي تمّ حرقها في عام 2009م. وهذا بالطبع يضغط على الإنتاج من أجل الاستهلاك المحلي. ومن أجل ذلك فقد صاحب الارتفاع في الحرق المباشر في شهر يونيو ارتفاع إنتاج النفط الخام بحوالي 400 ألف برميل باليوم، وانخفاض كمية اللقيم من النفط الخام للمصافي المحلية بحوالي 320 ألف برميل في اليوم. ولو رجعنا الى الوراء قليلًا لوجدنا انه في عامي 2009م و2010م تم في المملكة حرق حوالي 320 مليون برميل من الخام بطريقة مباشرة لتوليد الطاقة، وكان متوسط سعرالنفط آنذاك حوالي 80 دولارًا للبرميل وبهذا فان قيمة ما تم حرقه تعادل 25 مليار دولار. هذه كانت إشارة لضرورة البدء بإنتاج الطاقة البديلة من اي نوع كانت نووية أم شمسية أو رياحًا؛ لأن 25 مليار دولار ذهبت بدون رجعة. وفي الاعوام التالية 2011م و2012م و2013م و2014م وصل معدل سعر برميل النفط الى حوالي 105 دولارات للبرميل، وتم في هذه السنوات حرق حوالي 750 مليون برميل أو ما يعادل 80 مليار دولار. جميع هذه المبالغ كانت كفيلة بإنشاء محطات لتوليد الطاقة المتجددة التي لا تنضب او البديلة كالنووية للمحافظة على احتياطيات النفط خاصة في فترة الصيف حيث ذروة الطلب على النفط الخام لتوليد الكهرباء. يتطور إنتاج الطاقة الشمسية بالعالم بسرعة كبيرة خاصة مع ارتفاع إنتاج الصين للخلايا الشمسية. ويعرض الجدول 1 أهم عشر دول نجحت فى تذليل وإنتاج الطاقة الشمسية. ولقد سبقت ألمانيا الجميع فى هذا المضمار وتكاد تنتج وحدها نصف الإنتاج العالمى. ولقد ارتفعت طاقتها الانتاجية في خمس سنوات بحوالي الضعفين والنصف. وأما الصين فتحتل المرتبة الثانية عالميًّا وبإمكان القارئ ملاحظة القفزات الهائلة التي شهدتها الصين في آخر خمس سنوات. وتقترب الصين حاليًّا من امتلاك طاقة توليد تقارب 20 جيجاوات وكانت قدرة الصين فى 2010م 0.3 جيجاوات فقط. بكل تأكيد ما عملته الصين يستحق التأمل والاستنساخ لأنها تجربة جديرة بالدراسة. واللافت للنظر أن الصين وضعت خططًا من أجل رفع قدرتها لإنتاج الطاقة الشمسية الى 70 جيجاوات بعد ثلاث سنوات في محاولة منها لخفض الاعتماد على الفحم الحجري الذي يُعدُّ مصدراً رئيساً للتلوث في العالم. وبهذا فإن قدرة الصين قد تبلغ ضعف قدرة ألمانيا بحلول 2020م. باختصار كانت ألمانيا تملك وحدها حوالي نصف القدرة العالمية لإنتاج الطاقة الشمسية قبل 2010م. وبحلول 2015م وبالقفزات الكبيرة التي شهدتها الصين وإيطاليا واليابان وأمريكا انخفضت قدرتها إلى ثلث القدرة العالمية. ويمكن إجراء مقارنة بسيطة مع النموذج الأوروبي ممثلًا بألمانياوأسبانيا، فعلى سبيل المثال، استهلكت ألمانيا في عام 2014م حوالي 175 مليون طن نفط مكافئ من النفط والغاز، وأما أسبانيا فكان استهلاكها يقارب 83 مليون طن نفط مكافئ، وبذلك يقترب استهلاك المملكة للنفط والغاز الطبيعي من استهلاك ألمانياوأسبانيا مجتمعتين. وأما تغيّر استهلاك ألمانياوأسبانيا للنفط والغاز في عشر سنوات فكان 201 مليون طن مكافئ لألمانيا وحوالي 104 ملايين طن مكافئ لأسبانيا في عام 2004م. وبهذا فإن استهلاك ألمانيا قد انخفض في عشر سنوات بنسبة 13% و20% لأسبانيا. ولا بد من ذكر ان المانيا تستهلك حوالي 80 مليون طن نفط مكافئ من الفحم الحجري واسبانيا 13 مليون طن نفط مكافئ حالياً. ولمحاولة معرفة اسباب انخفاض استهلاك النفط والغاز لابد من مراجعة سياسات هذه الدول بالنسبة لتوليد الطاقة. رفعت المانيا من اعتمادها على الطاقة البديلة لانتاج الكهرباء بطريقة كبيرة لكنها مدروسة بعناية فائقة. ولذلك لابد من النظر الى النموذج الالمانى بهدوء. ارادت المانيا ان تخفف استخدام المشتقات النفطية والطاقة النووية في انتاج الكهرباء فبدأت باستبدال الفحم الرخيص بالنفط كفترة انتقالية ورفعت اعتمادها على الطاقات البديلة التى لا تبعث أكاسيد الكربون الى الاجواء. حاليًّا تنتج المانيا حوالى 30% من طاقتها من المصادر المتجددة كالشمس والرياح ومساقط المياه والنفايات مقابل 6% فقط كانت تنتجها فى عام 2000م. وفي صيف العام الماضي أنتجت الطاقة الشمسية والرياح حوالي 41 جيجاوات وكانت ذروة الطلب قد وصلت في تلك الفترة الى 61 جيجاوات اي انهما أنتجا حوالي 70% من الطلب على الطاقة. ويعرض الشكل 3 مصادر توليد الطاقة الكهربائية في المانيا. وتنتج المانيا في الصيف حوالي نصف طاقتها من الشمس رغم ان أشعة الشمس في المانيا لا تقارن بالشمس في الجزيرة العربية. وتستهلك دول الخليج العربي معظم طاقتها بفصل الصيف لتبريد الاجواء بسبب ارتفاع حرارة الشمس، فعلى سبيل المثال، تستورد الكويت والامارات كميات اضافية من الغاز المسال في الصيف وتحرق المملكة كميات كبيرة من النفط الخام في الصيف لإنتاج الكهرباء من اجل التكييف. وقد استطاعت المانيا باعتمادها على الطاقة الشمسية والرياح تخفيض طلبها على النفط والغاز وهي حالياً لا تحرق اي سوائل بترولية لتوليد الطاقة. لماذا تنجح الطاقة الشمسية في المانيا ولا تنجح في دول الخليج العربي والتي تُعدُّ بأمس الحاجة للطاقة خاصة في فصل الصيف من اجل التكييف؟ لا شك في ان المانيا فقيرة بموارد النفط والغاز وتخشى الطاقة النووية خاصة بعد كارثة فوكوشيما اليابانية، ولذلك ادركت ألمانيا أهمية وضرورة التحوُّل السريع للطاقة البديلة التى لا تلوث الاجواء. ورغم اعتماد المانيا على الفحم فى توليد 44% من الطاقة الكهربائية الا ان فترة استخدام الفحم هي فترة انتقالية حتى لا تشتري النفط الغالي، وبعد ذلك سيتم استبدال الفحم بالطاقة النظيفة. ولقد تم عمل استفتاء للألمان بخصوص نوع الطاقة التي يفضلون اقامة محطات التوليد بالقرب من احيائهم السكنية، فوجدوا ان الطاقة الشمسية والرياح حصلت على حوالى 65% والفحم الحجري على 11%، والطاقة النووية على 5%. أي أن 5% فقط من الجمهور أجاب بنعم للطاقة النووية مقابل 65% أجابوا بنعم للطاقة النظيفة والآمنة. باختصار الشعب الالمانى يريد الطاقة النظيفة ويعمل من اجلها. ولقد أصبحت المانيا فى عام 2010م تملك وحدها حوالي نصف القدرة العالمية على انتاج الطاقة الشمسية، وعلى الرغم من تزايد الاقبال العالمي على هذه الطاقة، فألمانيا لا تزال في المقدمة وتملك ضعف قدرة الصين والتي تأتي في المرتبة الثانية عالميًّا. ولا شك في ان دعم الحكومة الالمانية لشركات ومشاريع الطاقة البديلة كان له الدور الاهم في هذا الانجاز. وتفرض ألمانيا على شركات الطاقة المستخدمة للفحم كوقود ضرائب باهظة، بينما تدعم الشركات المنتجة للكهرباء من الطاقة الشمسية أو الرياح او مساقط المياه. وبهذا بدأ العالم يلحظ تطور وتقدم الطاقة الشمسية بألمانيا رغم انها لا تحتوى على صحاري قاحلة وشمس ساطعة. ويرتفع الطلب على الطاقة في دول الخليج بفصل الصيف ويصبح في القمة بسبب التكييف، ولقد اوجدت دول الخليج حلولاً مؤقتة لمواجهة هذا الطلب، اما باستيراد الغاز المسال كما في الكويت والامارات او بالحرق المباشر للنفط كما في المملكة. ولكي يكون للطاقة النظيفة دور رئيس في دولنا الخليجية فلابد من دعم انتاج هذه الطاقة والبدء بانشاء البنى التحتية من اجل المساعدة على انتاج الكهرباء بالمستقبل. وفي الختام يبلغ عدد سكان المملكة الآن حوالي 30 مليون نسمة، ويُتوقع أن يرتفع العدد إلى 45 مليون نسمة بعد 25 سنة، وبالتالي سيرتفع الطلب المحلي على الطاقة بشكل أكبر. ونرى أن الصين وضعت خططًا، وبدأت بتنفيذها للاستغناء عن حرق الفحم لتوليد الطاقة وألمانيا تمضى قدمًا للاستغناء عن الطاقة النووية والاحفورية في توليد الطاقة، وبهذا فإن كل بلد يُعدُّ ما يناسبه من خُطط وحلول لمواجهة تحديات الطاقة في المستقبل. الحقيقة أن التجربة الالمانية غنية وجديرة بالمتابعة، وحتى الاستفادة المباشرة منها. وماذا لو تمت دعوة احدى الشركات الالمانية العريقة والتي ساهمت في تقدم المانيا بمجال الطاقة الشمسية واعطائها اولوية ودعمًا لبناء قدرات توليد الكهرباء، ولتكن في البداية حوالي 5 جيجاوات في المنطقة الغربية، و5 جيجاوات في المنطقة الوسطى، و5 جيجاوات في الشرقية في مدة 5 سنوات في فترة الصيف. وكما تم ذكره فإن قدرة المانيا حاليا تبلغ حوالي 30 جيجاوات في فترة الصيف. وبدون شك أن أشعة شمسنا اقوى وأحرّ من شمس ألمانيا، وبذلك نكون فعلًا قد خطونا أول خطوة لعصر ما بعد النفط. منصات الألواح الشمسية في محطة نيليس لتوليد الكهرباء بولاية نيفادا الأمريكية