أصبح إرهاب تنظيم «داعش» كالسوسة التي تنخر في جسد العالم الإسلامي، سعيًا الى تشويه أمجاده وماضيه وتحويله الى مجتمع تكفيري ذات مبادئ وقواعد بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي الصحيح، في محاولة منها لتدمير حاضره ورسم مستقبله بخطوط من دم وبصور يملؤها العنف وأبطالها أجيال عربية مسلوبة تاريخها وتراثها وحريتها ومجتمعها. يطال خطر الإرهاب «الداعشي» كل دول العالم ويكتوي بناره الجميع بلا استثناء، إلا أن الخطر الكبير يتجسد في تجنيد الأطفال والقاصرين وعمليات غسل الدماغ التي تمارس عليهم لتحويلهم الى إرهابيين وجعلهم النواة الأولى للمجتمع الداعشي الجديد، فما انعكاسات هذا التجنيد وتداعياته على القاصر تحديدًا الآن وبعد زوال هذا التنظيم وسلبياته على المجتمع العربي الاسلامي؟ «داعش» يسلب الشباب حياتهم ومستقبلهم شدَّد الباحث في شؤون سوريا والشرق الأوسط الدكتور فادي أحمر في تصريح ل»اليوم» على أن «أي تنظيم ميليشياوي عند وقوع أي حرب أهلية يسعى الى تجنيد فئات من عامة الشعب، وأسهل هذه الفئات هم الشباب القاصرون أو الشباب في عمر المراهقة كونهم مندفعين ويريدون تحقيق ذاتهم والخروج الى العالم الواسع في مجتمعهم للاثبات، لأنهم أصبحوا رجالًا، لهذا يكون المتنفس لهم حمل السلاح والالتحاق بتنظيم معيّن، ويتم استغلال هذا الشعور من قِبَل الميليشيات إن كانت دينية أو إرهابية أو ميليشيا لديها قضية محقة مثل المقاومات». وقال: «أما في موضوع «داعش» فإن المشكلة تتجسَّد في أنه يجند أكثر من مراهقين، بل قاصرين ويزرع في عقولهم أيديولوجيا دينية متشددة جدًا، والأخطر انها رافضة للآخر، ولو كان الآخر مسلمًا، لكنه لا يعيش الدين الإسلامي حسب معتقداتهم، لهذا فهم يعتبرونه العدو الأول، فخطر «داعش» بالنسبة الى هؤلاء الشباب - بغض النظر عن انه يُسلِبهم واقع حياتهم وعائلاتهم ومدرستهم والمهنة التي يتعلمونها لتصبح مهنة الحياة التي سيعتاشون منها - فهو يسلخهم عن مجتمعهم حتى بات هذا المجتمع عدوًا لهم». وشدد أحمر على أن «هناك تداعيات لهذا التجنيد، حيث يتجسد في انعكاسَين سلبيَّين، أول هذه التداعيات على القاصر نفسه، عندما يقرر أن يعود الى مجتمعه سيعلم بأنه حرق مرحلة من حياته دون أن يؤسس الى مستقبله، وسيبقى عقله رافضًا أيديولوجيا للمجتمع الخاص به الذي يعتبره ليس الإسلام الصحيح، كما سيواجه رفض مجتمعه له كونه اضطهد هذا المجتمع ليس فقط بالسلاح، بل بالدين أيضًا، لهذا فإنه سيعاني مواجهة، وهذا الأمر ينحصر في المساوئ الشخصية». وأضاف: «ثانيًا، على الصعيد المجتمعي، سيتحول المجتمع السوري أو العراقي أو التونسي والمجتمعات الاوروبية التي انضم افراد منها الى تنظيم «داعش» الى اشخاص يائسين بعدما خسروا قضيتهم (الإسلام التكفيري) لهذا سيكونون «مستميتين» فباعتقادهم أنه ليس لديهم شيء يخسرونه، لهذا فقد يقدمون على أي عمل إجرامي بطريقة منفردة أو منظمة من قِبَل أفراد أشخاص دون أن يكون لديهم مرجعية تنظيمية كبيرة». ولفت الى انه نتيجة الى تنظيم «القاعدة» وصلنا الى «داعش»، ومنها قد نصل الى تنظيم وصولي أكبر لوجود مشكلة داخل المجتمعات الإسلامية، إضافة الى ان هناك مشكلة غربية في التعامل مع المجتمعات الإسلامية تدفع الشباب تجاه التطرف، لهذا اعتبر اننا نعيش عصر «الحرب العالمية الثالثة» وأحد داعميها التطرف الإسلامي والمسؤولية تقع على عاتق السياسات الغربية تجاه المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام من استغلال واضطهاد واستعمال، فالجميع يعلم بأن «داعش» تم استغلاله بداية من النظام العراقي الى الأمريكيين والآن النظام السوري». استهداف للبيئات المتعطشة إلى الجانب العقائدي وعلق رئيس هيئة «الكينة الإسلامية» أحمد الايوبي في تصريح ل«اليوم» على ما تردد حول توقيف شبكة تُجنِّد قاصرين لمصلحة تنظيم «داعش» تنشط بين منطقتي المنكوبين ووادي نحلة الشماليتين، معتبرًا ان «هذه الفئات المستهدفة في مناطق مثل المنكوبين هي في الأساس تعيش حالة يأس كامل من المستقبل، وليس لديها أي مستقبل بسبب التهميش والحرمان الكامل من كل حقوق المواطنة والتنمية والصحة والتعليم»، موضحًا أن «منطقة كالمنكوبين ليس للدولة أي حضور فيها باستثناء الأمن والأجهزة الأمنية، لهذا تدخل هذه التنظيمات على بيئة متعطشة لأي نوع من أنواع الاستقطاب المرفق بالجانب العقائدي التعويضي، وبالجانب المالي ربما». وأشار الى أن «الجانب العقائدي التعويضي يدفع باتجاه أن يعتبر هؤلاء الشباب أنفسهم جزءًا من مشروع الخلافة الإسلامية في حال تنظيم «داعش»، ويدعوهم للانضمام الى هذا المشروع ثم ينقلهم إلى داخل الأراضي السورية أو العراقية، ونرى أن جزءًا من هؤلاء الشباب بدأ بالانخراط في الحياة الاجتماعية اليومية في الرقة مثلا كالزواج هناك او يصطحبون عائلاتهم الى هناك لملء الفراغ الديموغرافي السكاني». وقال: «مشروع تنظيم الدولة متقدم من حيث الاستهدافات، فهو يستهدف هؤلاء الشباب أولًا لغايات أمنية كالعمل العسكري والميداني وثانيًا للملأ السكاني، فهم بحاجة الى الإنجاب وإنتاج أجيال جديدة تحمل هذا الفكر بالكامل وتنشأ عليه بشكل لا يخالطه أي نوع من الفكر الآخر الهجين كما هو حال الآباء الحاليين لهذا الجيل الذي ينشأ في مناطق تنظيم الدولة»، مشددًا على أن «هذا الفهم للإسلام هو فهم ناقص ومشوَّه ولا يساعد أبدًا على تقدُّم المسلمين خاصة انه لا يراعي طبيعة الناس وطبيعة التطور الفكري، مثلًا في المملكة العربية السعودية تطبّق الأحكام الشرعية، ولكن الناس دائمًا لديهم حصة من التوعية والتنبيه والتحذير من المخالفات والقوانين واضحة بينما هذا التنظيم دخل على أناس يعيشون منذ ستين أو سبعين سنة بحالة تجهيل كاملة للأحكام الشرعية وبأبسط الأمور الدنيوية فلا يصح أبدا إقحامهم في هذه الطريقة من التطبيق للأحكام الشرعية بطريقة تشوه الدين، فضلا عن ان العنف المبالغ فيه في ردة الفعل وفي تصوير هذا العنف يعطي لخصوم المسلمين الذريعة لتشويهنا أكثر فأكثر. كما انه لا يمكن إغفال العنف الأساس الذي يمارسه الديكتاتوريون في العالم العربي مثل ديكتاتور سوريا بشار الأسد والعراق نوري المالكي وما يجري حاليًا على يد الحشد الشعبي، كل هذا الضغط الذي يعانيه الواقع السُّني، فلا شك في أنه عامل أساس في تفجير هذا الغضب والجنوح الذي لا نعتبره حلا إطلاقا للإشكالات التي يعانيها المسلمون في المنطقة». يسعى إلى تفكيك المجتمعات الإسلامية وضرب مقوماتها وأكد مصدر مطلع على هذا الملف في تصريح ل«اليوم» أن «داعش يدخل الى الحلقة الأضعف فيما خص تجنيد عناصره، بإمكانه استهواء الأطفال والقاصرين من منطلق كونهم «العجينة الطرية» التي بإمكانه التحكم فيها كما يريد، ومن السهل ادخال الأفكار الجهادية في عقولهم ومن السهل إقناعهم بأن الإسلام يلحقه ظلم كبير، ونحن بإمكاننا إعادة إحياء داعش ونعيد للإسلام مجده. أما المسألة الثانية فهي بيئة الطفل التي يعيش فيها لهذا يعمل على عامل الفقر، ويسعى إلى استمالتهم بالمال وعادة يدخلون من هذا الباب على هذه البيئة، لهذا فإنه في المجتمعات الميسورة ماديًّا أو المجتمعات المثقفة لا يستطيع استمالة هؤلاء الأطفال، لهذا يدخل الحلقات الضعيفة ومن خلالها يتمكن من تجنيدهم. ويستغرق هذا الأمر أشهرًا قليلة لتحويل هؤلاء القاصرين أو الأطفال الى انتحاريين أو خاطفين أو الى قاتلين وما الى هناك من عمليات غسل دماغ محكمة لهم، من هنا تكمن خطورة «داعش» فخطورته لا تنحصر في كونه تنظيمًا ارهابيًّا فقط، بل هو تنظيم يفككك المجتمعات ويضرب مقوّمات المجتمعات الإسلامية الفقيرة والمعدمة، لهذا أعتقد ان خطره بالدرجة الاولى على الإسلام والمسلمين قبل أن يكون خطره على باقي الاديان الأخرى». الأمن العام يوقف شبكة تجنيد مجاهدين وكان قد تردد في إحدى الصحف اللبنانية ان «الأمن العام اللبناني أوقف شبكة تُجنِّد قاصرين لمصلحة تنظيم «داعش» تنشط بين منطقتي المنكوبين ووادي نحلة الشماليتين عديد أفراد الشبكة خمسة أشخاص معظمهم لبنانيون يأتمرون بإشارة اللبناني عمر الصاطم، الذي يدير نشاط التنظيم من «عاصمة الخلافة» في محافظة الرقة». وكشفت المعلومات أن «عناصر الشبكة يتسترون بغطاء مدرسة دينية في إحدى مناطق الشمال، علمًا بأن الموقوفين هم اللبنانيون: بكر س. وخالد خ. وأحمد م. وأ. مهنا، والسوري مهند ج. وبينت الاعترافات أن المجموعة كانت تجهّز خلايا للقيام بعمليات أمنية، إضافة إلى الإعداد لتنفيذ عملية ضد الجيش اللبناني في منطقة البداوي». التنظيم الإرهابي لا يعرف إلا الوحشية