إذا كنا عرفنا الآن الدواعش في البيوت والإعلام والحكومات بفكرهم المتطرف المقيت، فانتظروا جيلا آخر من الدواعش، أنهم الأطفال الذين يتم تربيتهم على فكر داعش قولا وعملا، لتكون عقيدتهم حمل السلاح والذبح بالسكين والساطور لمن يختلف معهم، وذلك إذا ظللنا على هذه الحالة من الترهل.. هذه الصرخة كانت فحوى ورشة عمل موسعة جرى تنظيمها في القاهرة للتحذير من طرق تجنيد الجماعات الإرهابية للأطفال. ودعا الخبراء في ورشة عمل «حماية الأطفال من أشكال التطرف»، التي نظمها منتدى الوسطية والحوار بالرابطة العالمية لخريجي الأزهر باتخاذ الإجراءات الدولية لغلق المواقع التكفيرية على شبكة الإنترنت، مؤكدين أن أسوأ ما يقوم به الإعلام العربي هو نشر ثقافة التكفير من خلال نقل الشرائط المصورة من قبل «التنظيمات»، التي تحتوي على مشاهد إجرامية وذبح. وقالوا: إن عمليات تجنيد الأطفال تتم على مرحلتين الأولى بإخضاع الطفل إلى حفظ القرآن في المساجد، حيث يقصدون الأخيرة كبديل عن المدارس، وبعدها يؤتى بهم إلى المعسكرات ليخضعوا لتدريب قطع الرءوس والتجسس على أهالي المدينة. وأضافوا أن التنظيمات وأذنابها في كثير من الأماكن يستسهلون تجنيد الأطفال وتلقينهم الأفكار الهدامة خاصة في سوريا والعراق ونيجيريا وغيرها وجعلهم قنابل موقوتة، بحيث يمكنها تغذيتهم بالأفكار التي يريدونها، باعتبار ذهن الطفل صفحة بيضاء، وتستخدم بعض التنظيمات الإرهابية الأطفال المعاقين ذهنيًا كانتحاريين وكدروع بشرية، كما أن بعض متشددي التنظيمات التكفيرية يقومون ببيع الأطفال المختطفين وبخاصة المنتمين للأقليات، ويقتلون آخرين إما عن طريق الصلب أو الدفن على قيد الحياة. سيطرة التنظيمات من جانبه أكد د. محمد المهدي أحد المتخصصين في الطب النفسي ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة على المستوى الدولي لإغلاق المواقع التكفيرية على الشبكة، وأكد أن أسوأ ما يقوم به الإعلام العربي هو نشر ثقافة التكفير، حيث يتلقى الشرائط المصورة من قبل «التنظيمات» محتوية على مشاهد إجرامية وذبح وينشرها مما يجعل ذاكرة المتابع معتادة على هذه المشاهد، بحيث يقوم بعض الأطفال بتقليدها، أما البعض الآخر فينتابه الذّعر ويتخيل أن بعض هذه التنظيمات أصبحت مركز القوة في هذا الكون، دون التفكير أنها قد تحتوى على خدع بصرية أو مواد إعلانية لتفخيم هالة هذا التنظيم أو ذاك. وقال المهدي: باتت الوسيلة الأسهل في يد الخلايا الإرهابية استخدام الأطفال لغسل أذهانهم بالفكر المتطرف، باعتبار ذهن الطفل صفحة بيضاء، وقد تستهل الاستراتيجية بلعبة أو تمثيلية ممتعة للأطفال لتتحوّل إلى حقيقة وانتصارات على أرض الواقع. وتقنع المنظّمات التّكفيريّة الطّفل بتفجير نفسه وتوهمه أنه سيجد أمّه بعد ذلك في الجنّة، لافتًا إلى أن التنظيمات تجند الأطفال للقتال في صفوفها تحت مسميات براقة شتي منها «أشبال الخلافة». مراحل التجنيد ولفت إلى أنه يجري التجنيد على مرحلتين الأولى تكون بإخضاع الطفل إلى حفظ القرآن في المساجد، وبعدها في المرحلة الثّانية يؤتى بهم إلى المعسكرات ليخضعوا للتدريب على قطع الرءوس والتّجسس على أهالي المدينة إضافة إلى ذلك، يتم التّغرير بالأطفال من خلال الخيم الدعائية والهدايا بغية اختطافهم من دون علم أهلهم، ومن جهة أخرى بعلم أهلهم بعد أن يقوم التنظيم بتجويعهم من أجل التخلي عن أبنائهم مقابل النّقود. وأشار إلى أن العديد من الشباب وقع فريسة للإحباط واليأس خلال الفترة الماضية، نتيجة عدة عوامل تجمعت لتولد مشاعر الفشل لدى الجميع، مما ساهم في توجه العديد من الشباب إلي محاولة إنهاء حياتهم بعدة طرق هربًا من الحياة السقيمة والضغوط الكثيرة، التي يتعرضون لها من قبل الجميع «الأسرة والمجتمع والدولة» تمثلت هذه الطرق في الهجرة غير الشرعية، الانتحار والانضمام للتنظيمات التكفيرية وغيرها. وأكد أن هذه الجريمة التي ترتكبها التنظيمات بحق الأطفال تساعدها على جذب مزيد من المقاتلين الجدد عبر الإنترنت من خلال الضجة الإعلامية، التي تثيرها بنشر أشرطتها الدموية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن بعض التنظيمات الإرهابية تستخدم الأطفال المعاقين ذهنيًا كانتحاريين وكدروع بشرية، كما أكد تقرير للأمم المتحدة صدر مؤخرًا أن بعض متشددي التنظيمات التكفيرية يقومون ببيع الأطفال المختطفين وبخاصة المنتمين للأقليات كما يستخدمونهم في الاستعباد ويقتلون آخرين إما عن طريق الصلب أو الدفن على قيد الحياة. تأثير الإعلام السّلبي من جانبه أكد د. عبدالصبور فاضل أستاذ الصحافة وعميد كلية الإعلام جامعة الأزهر أن القوانين كفلت حق الطفل في المعرفة من خلال مصادر متنوعة ومنها الإعلام، وأشار إلى وجود تأثير سلبي للإعلام على الطفل نتيجة إعطائه معلومات مغلوطة أو مجتزئة أو أحادية أو مشوهة بما يؤدي إلى تعطيل العقل النقدي أو إعطاء رسالة أحادية تستقطب الطفل في جانب وتجعله متصارعا مع الجانب الآخر في المجتمع أو استنزاف معظم وقته وطاقته بما يجعله غير قادر على المشاركة في أنشطة أخرى لها أهمية في حياته. انتهاكات «داعش» وأوضحت د. هيام نظيف عميد معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، أن التنظيمات المتطرفة والعصابات الإرهابية تبذل جهودًا عظيمة في السيطرة على فئات الأطفال والشباب ذهنيًا ومن ثم امتلاكه جسديًا، وقد قامت بتحويل قضية تجنيد هذا الفئات إلى قضية استراتيجية كاملة ومدروسة الزوايا للوصول إلى غاياتهم حول ضمان وجودهم واستمراريتهم لعقود إضافية أخرى وذلك عن طريق ترويض جيل كامل بأفكار جديدة، وبتجريد من المشاعر الإنسانية. وقالت: يحاول أفراد هذه التنظيمات التركيز على استقطاب أفراد منتمين لأكثر مراحل نمو الإنسان حرجًا وهم المراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 12-21 عامًا بالنسبة للأطفال الذكور، وتبدأ بلفت انتباههم اعلاميًا بطريقة الفيديو أو الصور أو النصوص الشرعية إلى الهداية والرجوع إلى طريق الله وتوجيه مسار العقول على حد قولهم إلى المسار الصائب والتوبة بالانضمام إلى صفوفهم، حيث البذخ والرواتب الممتازة والحياة الصحيحة والملتزمة شرعًا والتي تنص على الرحمة والتسامح ومحاربة الكفار، وأن الاستشهاد في سبيل الله، حينها يكافأ بالجنة وحور العين وغيرها، بينما هذه التنظيمات والعصابات الداعية للتوبة النصوحة والواعدة بكل مسالك الخير والرزق، ليست إلا مجموعة من المتطرفين عن أي دين أو امة أو مجتمع، وتراهم يتخذون هؤلاء الضحايا من الأطفال والشباب ويضعونهم بوجه المدفع عند أول عملية انتحارية بأي مكان، فتذهب أقوالهم ووعودهم وأحلام هذا الطفل هباء لتدفن اشلاؤه تحت التراب. وأكدت الدكتورة هيام نظيف أن «داعش» استخدمت أساليب مختلفة لجذب الأطفال والشباب واستقطابهم، ومن أهمها إقامة التجمعات الترفيهية والتي يتم فيها توزيع الألعاب والهدايا إلى جانب فقرات فنية ودينية، كما تعتمد في تجنيدها للأطفال على برامج الترغيب التي توفّر للأطفال أنشطة ترفيهية واجتماعية يفتقدون لها في ظل الأوضاع التي تعيشها المجتمعات العربية، كما تقدم للمراهقين فرصة للتعبير عن ذواتهم من خلال الارتباط بتنظيم قوي عسكريًا، حيث يمكن لهم أن يشعروا بالسلطة وتحقيق الذات في صفوفها، ويخضع الأطفال إلى دورات تهدف إلى إقناعهم بفكر التنظيم، وظهرت العديد من التسجيلات التي بثّها التنظيم لمحاضرات يقوم بها بعض أفراد داعش تستهدف الأطفال، وظهر هؤلاء الأطفال وهم يرددون شعارات داعش، وقد أظهر التنظيم اهتمامه بالمدارس والعملية التعليمية منذ نشأته، حيث كانت المدارس هي أول ما يقوم التنظيم بوضع يديه عليه في المناطق التي يحتلها، وقد عمد التنظيم إلى فرض الحجاب على الفتيات في كل المدارس، كما منع الحصص الترفيهية، كالرسم والرياضة والموسيقى، كما تشير أنباء إلى أن ما يُسمى بديوان التربية لدى التنظيم يعتزم إصدار منهج دراسي خاص به، ليتم اعتماده في المدارس التي يتولى الإشراف عليها، مؤكدة أن أكثر من 800 طفل تم تجنيدهم في ميليشيات داعش العسكرية في سورية دون سن الثامنة عشرة، ويشارك هؤلاء في خدمات الدعم اللوجستي لمقاتلي داعش، مثل نقل الذخيرة، وإعداد الطعام، وإصلاح وتنظيف العتاد والآليات، فيما يشارك آخرون في أعمال الحراسة والدوريات والحواجز. وأشارت د. هيام إلى أن تنظيم داعش مارس أساليب مختلفة لتجنيد الأطفال في صفوفه بشكل مكثف، حيث يظهر الأطفال في المقاطع التي تبثّها وسائل الإعلام الاجتماعي التابعة للتنظيم كمقاتلين يحملون السلاح، ويقومون بالأعمال العسكرية جنبًا إلى جنب مع الكبار، كما ظهر بعض الأطفال وهم يقومون بأعمال الذبح التي عُرف التنظيم عن ممارستها بحق المعارضين له، وخاصة في صفوف المناهضين لنظام الأسد. ولم تستثن داعش الأطفال من أعمال الإعدام والمجازر، التي تقوم بها، حيث تعرّض الأطفال للقتل، جنبًا إلى جنب مع النساء والشيوخ والأطفال، وبالإضافة إلى أعمال القتل التي يمارسها التنظيم نتيجة للقصف الجماعي، أو أعمال القتل المباشر عند السيطرة على المناطق التي تُحارب التنظيم، فإنّ عددًا من الأطفال قد تم قتلهم بشكل منفصل بعد اتهامهم بالإفطار في رمضان، وكما هي العادة لدى تنظيم داعش، فإنّ التنظيم يقوم بوضع جثث الأطفال الذين تمّ إعدامهم في الساحات العامة لعدة أيام، من أجل ترهيب الجمهور. وأكدت على الخطورة الشديدة من انتهاكات داعش لحقوق الأطفال، وتأثيرها على الخطورة الأساسية المتمثلة في السيطرة على جيل من الأطفال، سيجعل القضاء على داعش مستقبلًا أمرًا في غاية الصعوبة. بدورها أشارت د.مهجة غالب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات جامعة الأزهر إلى أن الأطفال هم قادة المستقبل، وعلى الدول أن تتكفل بحماية الطفولة وأن تهيئ لهم الظروف المناسبة لتساعد في تنشئتهم اجتماعيا وصحيا من كل النواحي بصورة سليمة لحمايتهم من خطر التطرف والتنظيمات الإرهابية. وقالت الخبيرة في مجال الطفولة د. نهى عباس: يجب البدء في مقاومة العنف بالثقافة والفن حيث إن الطفل يستغرق ساعات أمام التلفزيون، وإذا نظرنا للثقافة والإعلام الذي يقدمه التليفزيون للطفل فإننا نجد أن العالم العربي يوجد به 5 قنوات تليفزيونية موجهه للطفل جميعها تقدم كارتون أجنبي ومدبلج وفكر تربوي مليء بالعنف، ولابد من استغلال هذه النسبة لتقديم الفكر والعلوم أو المبادئ والتوعية الدينية وتصحيح المفاهيم الدينية للطفل. من جانبه قال د. جمال أبوالسرور مدير المركز الإسلامي للدراسات السكانية بالأزهر: إن الأطفال يتم استغلالهم بالفعل من قبل الجماعات الإرهابية، وظهر ذلك واضحًا في مصر عقب ثورة 25 يناير، حيث استُخْدِموا في تحطيم منشآت الدولة.