أصداء الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لمصر مؤخرا لا تزال تتردد. ورغم اتفاق معظم المراقبين على أهمية هذه الزيارة، سواء من حيث التوقيت أو ما أسفرت عنه من نتائج، إلا أن تأثيراتها المستقبلية على العلاقات الثنائية أو على مجمل أوضاع المنطقة، لا تزال موضع تحليلات متباينة. فقد جاءت هذه الزيارة في مرحلة تواجه فيها المملكة ومصر والمنطقة تحديات غير مسبوقة. فالمملكة تواجه تهديدات خطيرة على حدودها الجنوبية، بسبب ما يجري في اليمن، وعلى حدودها الشمالية الشرقية، بسبب ما يجري في كل من العراق وسوريا ولبنان. أما مصر فتحيط بها التهديدات من كل جانب: فهناك تهديدات قادمة من الشرق، بسبب ما يجري في سيناء، وأخرى قادمة من الغرب، بسبب ما يجري في ليبيا، وثالثة قادمة من الجنوب، بسبب ما يجري في دول حوض وادي النيل عموما وفي إثيوبيا بشكل خاص. ولأنها تهديدات لا تستهدف السعودية ومصر بذاتهما وإنما هي جزء من تهديدات أوسع تواجه منطقة الشرق الأوسط ككل، بسبب استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من ناحية واشتعال الفتن الطائفية والحروب الأهلية في العديد من الدول التي انهار بعضها بالفعل، أو على وشك أن يتحول، إلى دول فاشلة، فقد تولدت قناعة لدى قطاعات شعبية واسعة في كل من مصر والسعودية بأن مواجهة هذه التهديدات تتطلب بناء علاقة شراكة استراتيجية بين البلدين لتشكيل رافعة قادرة على انتشال المنطقة من الهاوية التي سقطت فيها. الفحص الأولي لما أسفرت عنها الزيارة يشير بوضوح إلى وجود إرادة مشتركة لدى القيادتين السعودية والمصرية لنقل العلاقة بين بلديهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بدليل إبرام مجموعة من اتفاقيات التعاون بين البلدين يمكن أن يؤدي تنفيذها إلى نقلة نوعية في طبيعة العلاقة بين البلدين ولمصلحتهما معا، وحرص الملك سلمان على أن يعلن بنفسه اتفاق البلدين على إقامة جسر بري يربط بينهما، وبين قارتي آسيا وإفريقيا من خلالهما، وهو جسر له أهمية استراتيجية تفوق بكثير أهميته الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا وأنه نظر إلى قيام دولة إسرائيل كأداة لفصل مشرق العالم العربي عن مغربه. وقد تزامن ذلك بالإعلان عن توقيع «اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين»، يشير بوضوح إلى أنه الطريق نحو بناء علاقة استراتيجية بين مصر والسعودية. تضمن التوقيع خلال زيارة العاهل السعودي على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، اعترافا رسميا مصريا بملكية السعودية لجزيرتي تيران وصنافير. وقد نص البيان الصادر حول ذلك بالتالي: «كان التوقيع على اتفاق تعيين الحدود البحرية بين البلدين إنجازا هاما من شأنه أن يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما. وجاء هذا الإنجاز بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات، انعقدت خلالها إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، آخرها ثلاث جولات منذ شهر ديسمبر 2015 عقب التوقيع على إعلان القاهرة في 30 يوليو 2015. وقد اعتمدت اللجنة في عملها على قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية، والذي تم إخطار الأممالمتحدة به في 2 مايو 1990، وكذلك على الخطابات المتبادلة بين الدولتين خلال نفس العام، بالإضافة إلى المرسوم الملكي الصادر في 2010 بتحديد نقاط الأساس في ذات الشأن للمملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن الفنيين من أعضاء اللجنة قد استخدموا أحدث الأساليب العلمية لتدقيق النقاط وحساب المسافات للانتهاء من رسم خط المنتصف بين البلدين بأقصى درجات الدقة. وقد أسفر الرسم الفني لخط الحدود بناء على المرسوم الملكي والقرار الجمهوري المشار إليهما أعلاه عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية. والجدير بالذكر أن الملك عبدالعزيز آل سعود كان قد طلب من مصر في يناير 1950 أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين، وهو ما استجابت له وقامت بتوفير الحماية للجزر منذ ذلك التاريخ. وسيسفر التوقيع والتصديق على الاتفاق عن تمكين جمهورية مصر العربية من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر الأحمر وما توفره من فرص للاستكشاف والتنقيب عن موارد طبيعية إضافية للدولة. وسيتم عرض اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية على مجلس النواب لمناقشتها وطرحها للتصديق عليها طبقا للإجراءات القانونية والدستورية المعمول بها». جسر الملك سلمان يربط ويقرب، المسافات وعلى القيادتين بالسعودية ومصر أن يواصلا الحرص على كل ما يربط ويقرب وأن يقفزا معا فوق كل الحواجز التي يراد لها أن تفصل وتباعد بين البلدين. زيارة خادم الحرمين الأخيرة بالقاهرة أعلن خلالها عن تأسيس جسر الملك سلمان الرابط بين المملكة ومصر