المغزى هو أن المخاطر في هذا الترتيب لا يمكن تحديدها كميا بسهولة. هنالك أيضا الكثير من الحالات المجهولة وغير المعروفة في العالم. وبالتالي تكون متطلبات رأس المال المرجحة للمخاطر مضللة. في الوقت نفسه، تكون درجة تعقيدها وتطورها الظاهر أمرا مغريا، ما يؤدي إلى مفاقمة المشكلة. كما يقول كينج، في مواجهة اللبس الجذري، «من الأفضل أن نكون على حق تقريبا من أن نكون على خطأ تقريبا». كما يقول إنه في حالة كنتَ على حق تقريبا فإن هذا يتطلب قواعد بسيطة لا تحتاج إلى تفكير، وعقل متفتح، بدلا من الحلول الرياضية الدقيقة بشكل مضلل - النهج الذي تميل التنظيمات المالية (مثل علم الاقتصاد ككل) إلى الاعتماد عليه. ويقول إنه عند تطبيق هذا المنطق، ينبغي أن يطلب من البنوك تمويل نفسها بمبالغ من رأس المال تزيد كثيرا على ما يتعلق بجميع الأصول لديها، وأكثر حتى مما تتطلبه القواعد الأشد صرامة ما بعد الأزمة، وذلك حتى تتمكن من استيعاب خسائر أكبر عندما تسوء الأمور. بالإضافة إلى ذلك، لتسهيل الأمر على البنوك المركزية في توفير السيولة مقابل الأصول غير السائلة عندما تتشنج الأسواق المالية، ينبغي تهيئة البنوك لتتعهد تلك الأصول لتُستخدَم على شكل رهان مقبوضة، بكميات كافية لتغطية ودائعهم والمطلوبات الأخرى قصيرة الأجل. إن قاعدة تحقق هذا الأمر يمكن أن تحل مكان التأمين التقليدي على الودائع (مع أقساط تأمين سارية المفعول يجري جمعها مقدما على شكل خصوم على مبلغ الرهان). هذه الخطة التي تهدف إلى أن تصبح البنوك المركزية «محل رهون لكل المواسم»، كما يذكر كينج، ترتبط بفكرة «المصرفية الضيقة» المقترحة من قبل بعض خبراء الاقتصاد الآخرين. مقارنة مع تلك النسخ الأخرى، هنالك ميزة في اقتراح كينج تكمن في أنه يمكن تطبيقه ليس فقط لدى البنوك التي تأخذ الودائع ولكن لدى ما يسمى بمصارف الظل (البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط وصناديق سوق المال وما إلى ذلك) أيضا. يعتبر كينج خبيرا اقتصاديا أكاديميا مميزا بالإضافة إلى كونه متمرسا في أعمال البنوك المركزية، لذلك يدرك التهديد الذي تفرضه تلك الحالة الجذرية من الغموض على الاقتصاد كتخصص. في دعوته إلى إيلاء مثل هذه الفكرة المزيد من الوزن، يطلب إعادة النظر بصورة أساسية. لكن ألم يبدأ هذا بالفعل، مع كل الاهتمام الأخير في «العقلانية المحدودة» والاقتصاديات السلوكية الجديدة؟ ليس حقا. حيث إن كينج يميز بعناية طريقته الخاصة في الانتقاد. إن استخدام القواعد المباشرة والسرد التي تساعد في تنظيم القرارات ربما لن يعمل على التحسين بالقدر الذي يعتقده خبراء الاقتصاد - لكنه ليس مخالفا للعقل كذلك، ولا يستدعي وجود حركات خفيفة لتصحيح الأخطاء. في كثير من الأحيان، ربما تكون أفضل ما يمكن للأشخاص وصناع السياسة القيام به. المشكلة في الاقتصاد السلوكي هي أنه لا يواجه التساؤل العميق لما يعنيه أن تكون إنسانا عقلانيا عندما تفشل افتراضات النموذج التقليدي الأمثل في أن تكون صحيحة. الأفراد غير مرغمين لأن يكونوا مدفوعين بالنزوة أو الهوى، لكنهم لا يعيشون أيضا في عالم يوجد فيه حل واحد أمثل لكل مشكلة. إن لم ندرك كيف يسير العالم ويعمل، لن تكون هنالك اي اجابة صحيحة فريدة من نوعها، فقط مشكلة في التكيف مع المجهول. الكتاب مليء بأفكار مثيرة للتفكر من مثل هذا النوع. في الوقت نفسه، لا يقبل بالعجز. ويقدم اقتراحات محددة تتعلق بالنظام المالي والسياسات النقدية. وهو يفسر كيف ينبغي على صندوق النقد الدولي والمؤسسات الاقتصادية العالمية الأخرى أن تتغير، وما الذي ينبغي عمله بخصوص العملة الموحدة السامة في أوروبا، ويبين السبب في أن من الخطأ أن نتوقع الكثير من سياسة المالية العامة، ويبين ما نحتاجه من أجل وضع الاقتصاد العالمي على مسار أسرع لتحقيق النمو الاقتصادي. إن كتاب «نهاية الخيمياء» يعرض نقدا عميقا متفحصا لعلم الاقتصاد باعتباره أفكارا معتادة وعملية وتقليدية حول السياسة الاقتصادية. إنه إنجاز نادر.