إن كتاب ميرفين كينج الجديد حول الأزمة المالية وتداعياتها ليس ربما ما كنت تتوقعه من المحافظ السابق لبنك إنجلترا- أعني من مسؤول لعب دورا حاسما خلال وأثناء وبعد فترة الانهيار المالي. وكذلك فإن كتاب «نهاية الخيمياء: المال والأعمال المصرفية ومستقبل الاقتصاد العالمي» ليس كتاب مذكرات. ليس هنالك أي رواية متتالية ولا أي محاولة من جانب المؤلف لتبرير ما فعله أو ما فشل فيه. إن الامر أكثر طموحا وأكثر جرأة من ذلك. (المقصود من فكرة الخيمياء هو ما كان يقوم به علماء العصور الوسطى في سعيهم العقيم لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب. وهو يربط بين هؤلاء العلماء وبين محاولات المختصين في العلوم المالية لتحقيق ثروات كبيرة للمستثمرين بأساليب ملتوية، مثل القروض العقارية لضعاف الملاءة، التي كانت السبب في الأزمة المالية العالمية خلال الفترة من 2007 - 2008 وكادت تدمر كثيرا من اقتصادات البلدان). يطرح الكتاب أسئلة عميقة وصعبة تتعلق بالنظرية والتطبيق للتمويل والاقتصاد، ويتوصل إلى إجابات مثيرة للاهتمام في كل مرة. وهي إجابات تبعث على التفكر أيضا، في كثير من الحالات، لأنها تظهر درجة الصعوبة التي سيواجهها صناع السياسات في تفاديهم للأزمة المقبلة. إن عنوان الفصل الأخير «جرأة التشاؤم» مناسب للغاية. الفكرة الرئيسية هي «اللُّبس الجذري»، ذلك النوع من الغموض الذي لا يمكن للتحليلات الإحصائية التصدي له. بالنسبة للمخاطر، يمكنك حساب الاحتمالات الواردة. ولهذا السبب يكون من السهل التأمين على خطر تعرض منزلك للحرق، على سبيل المثال. لكن كثيرا من النتائج المحتملة لا يمكن حتى تخيلها بشكل واضح، ناهيك عن اختبارها مقابل السجلات القياسية - على سبيل المثال، كيف يمكن أن يؤثر التقارب ما بين علم الوراثة وعلوم الحاسوب على مدى العمر المتوقع للأجيال القادمة؟ عند مواجهة مثل هذه الأسئلة، فإنك لا تعود تتعامل مع مخاطر كمية قابلة للقياس. إن التمييز بين المخاطر وحالة اللبس ليس بالأمر الجديد. حيث تفهم خبراء الاقتصاد ذلك الأمر منذ عام 1921، عندما كتب فرانك نايت حول هذا الموضوع، واعتقد جون ماينارد كينز أنه كان أمرا له أهمية حيوية. لكن الاقتصاد لم يعرف إلى أين يذهب بهذه الفكرة. المشكلة ليست فقط أن خبراء الاقتصاد ركزوا على تحليل الأمور التي يمكن تحليلها، الأمر الذي بات مفهوما، بل إنها تكمن أيضا في أنهم قاموا بتطبيق نهج نظرية الاحتمالات في مجالات لا تناسبه. في مجال التمويل، أين ينتهي الخطر ويبدأ اللبس الجذري؟ هنالك القليل من الأول والكثير من الثاني، بحسب ما يقول كينج، أكثر مما يعتقد خبراء الاقتصاد والعاملون في السوق. تعتمد القوانين التنظيمية المالية بشكل مكثف على تقديرات المخاطر المرتبطة بأنواع مختلفة من القروض أو غيرها من الأصول المصرفية. لكن تلك المخاطر غير مفهومة بشكل جيد. يكتب كينج أنه بحسب أحد المقاييس المعيارية فإن بنك نورثرن روك - وهو هيئة إقراض كبرى عمل فشلها في عام 2007 على التسبب بحدوث أزمة للنظام المالي في المملكة المتحدة - كان مؤسسة آمنة: حيث كان لديه أعلى نسبة من رأس المال المتعلق بالأصول المرجحة للمخاطر من أي مصرف رئيسي في بريطانيا. ويكمن الخطأ في الاستدلال من خلال عقود من البيانات بأن القروض العقارية كانت قروضا منخفضة المخاطر، وفي الفشل في تصور السبب في أن هذا سوف يتبين في النهاية أنه مفهوم خاطئ. بطريقة ما، يتواجد التمويل فقط بسبب اللبس الجذري. وهدفه هو مد جسر يربط بين الحاضر وبين مستقبل غامض: حيث يعمل المقترضون على تقديم الإنفاق مع مرور الوقت، في حين يعمل المدخرون على دفعه للوراء. إن «خيمياء» القطاع المصرفي تجمع الاثنين معا على نحو يفترض أن الودائع الآمنة قصيرة الأجل يتم استخدامها لدعم القروض طويلة الأجل المحفوفة بالمخاطر.