قد يرى القارئ معي أن عنوان المقال واسع وفضفاض، ولكن قد يخف تعجبه حينما يقرأ المقال، إضافة الى أني لم أر عنوانا أوصل به الفكرة غير هذا العنوان، ناهيك أن العنوان ليس من عندي فهو لكتاب ترجم حديثا للعربية (طبع في الفرنسية عام 2006) وجدته الأنسب لأن يكون عنوانا للمقال، للصحفي والباحث بالصراع العربي الإسرائيلي، الفرنسي آلان غريش ، يتحدث فيه عن الصورة السيئة المشكلة عن الإسلام في الجمهورية الفرنسية والعالم، أي ما يطلق عليه اختصارا «الإسلاموفوبيا»، الذي افتتحه «الكتاب» بسؤال طُرح عليه، لماذا الإسلام و لماذا ينشغل به وهو العلماني الملحد؟ وذلك في خضم النقاش الذي دار حول «الحجاب» وكيف تحول حجاب المرأة المسلمة إلى قضية رأي عام يشغل الفرنسيين؟، كذلك يتساءل المؤلف كيف لنشطاء فرنسيين ناضلوا ضد العنصرية، يتعاطفون بشكل سريع مع حديث «الإسلاموفوبيا»، ويشككون في إمكانية الحوار مع المنظمات الإسلامية؟، الكتاب في ما أظن هام جدا، لأنه يطرح، كيف يتم صناعة الرأي العام في فرنسا والمجتمعات الأوروبية حول الإسلام، أي بمعنى آخر كيف يتم صناعة «الأسطورة» العدو في هذه المجتمعات وتقديم صورة بعيدة عن الحيادية لا تخلو من التعميم الواضح البعيد عن الحقيقة، فيكفي الإيحاء الذي يعطيه عنوان الكتاب «الإسلام والجمهورية والعالم» للمتسائل عن العلاقة بين الإسلام والعالم، ويفتح علامة استفهام كبرى عن ماهية هذه العلاقة، التي أعادتها أحداث الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» في يناير 2015م إلى واجهة الرأي العام الفرنسي، كما أشار المؤلف في مقدمة الطبعة العربية لهذا العام. الكاتب آلان غريش رغم أنه مولود في مصر ويحمل الجنسية المصرية، ولكنه يؤكد على أنه فرنسي مؤمن بالقيم العلمانية أولا وأخيرا، ولا يرى له أي ميول للجنسية المصرية التي يحملها، معبرا عن ذلك بأنه لا يتمايل مع أغاني أم كلثوم ولا يحرص على متابعة الأفلام والروايات العربية. وفي ظني هو يقول ذلك ربما حتى لا يتهم من قبل الجمهور الفرنسي المشحون بالخطاب الإعلامي المعادي للإسلام، بميول معاكسة لقيم الجمهورية الفرنسية. السؤال المطروح هنا: لماذا إذًا يبدو غريش وكأنه مدافع عن الإسلام في هذا الكتاب؟ غريش في كتابه هذا يريد أن يحمي قيم العلمانية من التوحش، ويرى أن هناك انحرافا عن قيم العلمانية الأصيلة في المجتمع الفرنسي، سببه خطاب الحكومة والإعلام المعادي للإسلام، مما تسبب في إيجاد مفهوم للعلمانية، يرى المواطن الفرنسي متجردا من الدين، وهذا خلاف للحرية الشخصية.. كما يعبر غريش.. التي سمحت بها العلمانية منذ نشأتها، اذ رأت أن العمل السياسي والدولة لا دين لهما، ولكن أعطت الفرد حرية اعتناق الدين الذي يشاء، والسبب الذي يجعله اليوم يؤكد على هذا المفهوم للعلمانية، أنه لا يرى أن سبب أزمات العالم هو الدين، كما يفتعل اليوم في فرنسا الخطاب المعادي الإسلام، ويرى أن خطاب الحكومة والإعلام الفرنسي يفتعل عداء مع الإسلام غير مبرر ويفتقر للعقلانية والفهم الحضاري للقيم العلمانية مما يخلق أزمة حقيقية وهوة بين مكونات المجتمع الفرنسي والمكون الإسلامي ويقسم المجتمع الفرنسي بين «فرنسي الأرومة» و«مهاجرين مسلمين» مما قد يضع فرنسا على خطر حرب أهلية عرقية، مذكرا الفرنسيين والأوروبيين بنظرية الأعراق التي وضعت أسسها في القرن التاسع عشر في أوروبا واستندت على شكل الجبهة أو حجم الجمجمة، التي استخدمت بعد ذلك في تبرير التطهير العرقي والمجازر الكولونيالية الكبيرة، لهذا يرى من الخطأ الاعتقاد بأن مسألة كره الأجنبي قد اختفت من المجتمعات الغربية، فلرفض الآخر منذ مائة وخمسين عاما وحتى اليوم وجهان اثنان العرق والثقافة.