تم استهلاك الكثير من الحبر والعديد من الصور الرقمية خلال السنوات القليلة الماضية بشأن ظهور نوع من الاقتصاد تطلق عليه أسماء متنوعة تعني الشيء نفسه، مثل اقتصاد الوظائف المرنة، واقتصاد المشاركة، والاقتصاد عند الطلب، واقتصاد 1099، واقتصاد أصحاب الوظائف الحرة، أو أي تسمية تفضلها. كان هنالك الكثير من المبالغة في بعض الادعاءات المتعلقة بنمو الاقتصاد، وقد كتبت العديد من المقالات في محاولة لدحضها، أو على الأقل وضعها في سياق مناسب. لكن هذه البيانات، من الورقة البحثية الجديدة لكل من الخبير الاقتصادي لورنس كاتز وآلان كروجر حول «ظهور وطبيعة ترتيبات العمل البديلة في الولاياتالمتحدة، من عام 1995- 2015»، هي بيانات جادة. بعد حصول تغيير طفيف لا يذكر ما بين عامي 1995 و2005، ارتفعت حصة العمال الأمريكيين في ترتيبات العمل البديلة من 10.1 بالمائة في عام 2005 إلى 15.8 بالمائة في عام 2015. وتعد هذه قفزة كبيرة جدا. كما يكتب كاتز وكروجر: «يبدو جميع نمو العمالة الصافي في الاقتصاد الأمريكي من عام 2005 إلى عام 2015 بأنه قد حدث في ترتيبات العمل البديلة». تلك الترتيبات في معظم الأحيان لم تشمل العمل المرتب من خلال منصات إلكترونية تتعلق باقتصاد الوظائف المرنة - فقط حوالي 0.5 بالمائة من العمال «يحددون هوية الزبائن من خلال وسيط عبر الانترنت»، كما وجد كاتز وآلان. وهما يتوقعان أن «التغيرات التكنولوجية التي تؤدي إلى تعزيز الرقابة وتقنين مهمات العمل وجعل المعلومات حول سمعة العمال أكثر توافرا على نطاق واسع» ساعدت في تقريب ظهور العمل البديل. أما الأسباب الأخرى المحتملة التي يشيرون إليها فتشمل تغييرات في خصائص العمر والتعليم الخاصة بالقوى العاملة، وقانون الرعاية الصحية بأسعار ميسورة (الذي يجعل بشكل عام الأمر أسهل على العمال المستقلين في الحصول على التأمين الصحي)، وجهود الشركات لتعزيز الأرباح من خلال التعاقد على المزيد من العمل مع مقاولين خارجيين، والآثار المتبقية من الركود العظيم. تم تصميم استطلاع كاتز وكروجر بهدف أن يكون متوافقا مع سلسلة بيانات سابقة آتية من مكتب إحصاءات العمل، والتي سألت العمال حول ترتيبات العمل المؤقتة والبديلة في الأعوام 1995 و1997 و1999 و2001 و2005، قبل التوقف عن ذلك بسبب نقص التمويل. في شهر يناير، أعلن وزير العمل توم بيريز أنه سيعاود إجراء الاستطلاع مرة أخرى في شهر مايو من عام 2017، لكن كاتز وكروجر كانا قد أجريا بالفعل نسخة مصغرة منها كجزء من «فريق راند للحياة في أمريكا» في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين. إن الاختلافات ما بين نتائج كاتز وكروجر بنسبة 15.8 بالمائة والنسب المئوية الأعلى المعلن عنها في بعض الاستطلاعات الأخيرة تتعلق أساسا بالتعريفات. التقدير الذي قدمه مكتب المساءلة الحكومية لشهر إبريل من عام 2015 بأن 40.4 بالمائة من العمال الأمريكيين كانوا يخضعون لترتيبات عمل بديلة شمل عمالا بدوام جزئي بالإضافة إلى بعض العاملين على حسابهم الخاص غير المشمولين بتعريف مكتب إحصاءات العمل بخصوص العمل البديل. كما كان مستندا أيضا إلى دراسة أجريت في العام 2010، عندما كانت نسبة عمال الدوام الجزئي غير التطوعي لا تزال مرتفعة جدا في أعقاب الركود. والدراسة التي أجريت في أمريكا حول الأشخاص الذين ينفذون مقاولات مع شركات في العام 2015 والتي اعتبرت 34 بالمائة من العمال الأمريكيين أنهم يعملون لحسابهم الخاص شملت عمالا آخرين لديهم بالفعل وظائف أخرى، بالإضافة إلى بعض أصحاب الأعمال التجارية مع الموظفين. تلك الطرق المختلفة للحساب ليس خاطئة - مثلا، يبدو العمال بأنهم يشكلون عاملا كبيرا في الاقتصاد الإلكتروني ذي الوظائف المرنة، ولم يكونوا في حساب كاتز وكروجر لأنهم حسبوا فقط الأشخاص الذين تشمل أعمالهم الرئيسة ترتيبات عمل بديلة. رغم ذلك، فعل ذلك كاتز وكروجر للسماح بإجراء مقارنة مع دراسات سابقة أجراها مكتب إحصاءات العمل - وتلك القابلية للمقارنة غنية بالمعلومات. فهي تكشف، على سبيل المثال، أن العمال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 55 إلى 75 عاما والعمال الذين يحملون الدرجة الجامعية الاولى أو درجات أعلى كانوا دائما (منذ عام 1995، على الأقل) أكثر عرضة من غيرهم لأن يخضعوا لترتيبات عمل بديلة. نتيجة لذلك، يمثل كل من مستويات التعليم المرتفعة وتقدم السكان في العمر جزءا من النمو الشامل في العمل البديل. لكن نصيب العمال الأكبر سنا والأفضل تعليما في ترتيبات العمل البديلة استمر أيضا في الارتفاع، بوتيرة أسرع من بقية القوى العاملة. علاوة على ذلك، تعد الأعمار التي تزيد على 55 عاما هي الفئة العمرية الوحيدة في الولاياتالمتحدة التي شهدت ارتفاعا في نسبة السكان إلى العمالة خلال العقدين الماضيين. ما قد يعنيه هذا هو أن النمو في اقتصاد الوظائف المرنة، على الأقل النمو المقاس من قبل كاتز وكروجر، مدفوع نوعا ما ليس من قبل مواليد الألفية الذين يعانون المتاعب والذين يصطفون في طوابير إلكترونية للعمل في الاقتصاد المرن، وإنما هو مدفوع قبل العمال ممن هم في الستين من العمر والذين يعملون كمقاولين مستقلين. ما ليس واضحا هو ما إذا كانوا يفعلون هذا لأنهم شبه متقاعدين ويحبون الحرية والمرونة، أو لأنهم لم يعودوا يعملون في وظائف تتطلب التفرغ التام ومنافع كاملة، وعليهم الاستقرار في أعمال تعاقدية. أحيانا اقتصاد الوظائف المرنة يمكن الآخرين، وأحيانا يضطهدهم. لكن على الأقل نعرف الآن أنه ينمو حقا.