يشكل الغاز الطبيعي حاليا حوالي 24% من خليط مصادر الطاقة العالمي مقابل حوالي 32.5% للنفط و30% للفحم الحجري. وبحسب تقارير شركة بريتش بتروليوم الاحصائية يمكن ملاحظة انخفاض نسبة استهلاك النفط في خليط الطاقة العالمي لصالح الفحم الحجري والطاقة المتجددة. فلقد انخفضت نسبة استهلاك النفط بحوالي 4.5% في عشر سنوات وارتفعت نسبة استهلاك الفحم بحوالي 3% لنفس الفترة بفضل ارتفاع كميات الفحم التي تستهلكها الصين والتي تصل حاليا الى نصف استهلاك العالم. ولكن يمكن ملاحظة احتفاظ الغاز الطبيعي بنفس النسبة رغم ارتفاع نسبة الطاقة المتجددة كما يعرض «جدول 1»، وترى شركة اكسون أن نسبة النمو السنوي للطلب العالمي على الغاز الطبيعي ستكون الأعلى بين الوقود الاحفوري إذ انها ستصل الى حوالي 1.6% سنويا مقابل 0.8% للنفط و0.1% للفحم وهذا يعني ان نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيكون ضعف نمو الطلب على النفط والفحم مجتمعين وحتى عام 2040م. ينمو الطلب على الغاز الطبيعي بوتيرة عالية نظرا لعدة عوامل ايجابية يتميز بها الغاز منها انه أقل تلويثا للبيئة مقارنة بالفحم الحجري والنفط وأكثر سلامة مقارنة بالطاقة النووية وأقل كلفة مقارنة بالطاقة الشمسية وتوفره بكميات كبيرة. وسيبقى النفط مصدر الطاقة الأول بالعالم ولعقود قادمة نظرا للاستخداماته المتنوعة كوقود لوسائل النقل وكمصدر رئيس للصناعات البتروكيماوية وخاصة لقيم النفثا. ارتفع الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعى بوتيرة متسارعة فلقد استهلك العالم في عام 2000م حوالي 2.5 تريليون متر مكعب، 70% منها استهلكت في أماكن الانتاج أوقريبة منها وحوالي 21% منها تم بيعها بواسطة الانابيب وحوالي 8% فقط تم تصديرها كغاز مسال بواسطة الناقلات. ولقد ارتفع الاستهلاك العالمي للغاز في العام 2015م الى حوالي 3.5 تريليون متر مكعب وأصبح الغاز المسال يشكل منها حوالي 9%، وهذا يعني ان الطلب على الغاز المسال قد نما في العالم في تلك الفترة الزمنية بحوالي 7.5%. ويتوقع ان يرتفع الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي ليصل في عام 2040م الى حوالي 5.5 تريليون متر مكعب ليصبح المصدر الأول لتوليد الطاقة الكهربائية بالعالم متخطيا الفحم الحجري. الاحتياطيات المؤكدة للغاز الطبيعي والانتاج العالمي يملك العالم احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي فعلى سبيل المثال يبلغ احتياطي العالم من النفط حوالي 240 بليون طن مقابل 171 بليون طن نفط مكافئ من الغاز و890 بليون طن فحم حجري. وتملك روسيا أكبر الاحتياطيات المؤكدة للغاز الطبيعى وتليها إيرانوقطر وتركمانستان والولاياتالمتحدة والسعودية كما يشير «الجدول 2»، ولقد اختلف في من يملك أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي، فشركة بريتش بتروليوم صاحبة الاحصاءات الشهيرة في عالم الطاقة ترى إيران هى أكبر دولة في العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، بينما ترى ادارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية أن روسيا هي من تملك الاحتياطيات الأكبر في العالم. ولقد ارتفعت الاحتياطيات العالمية من النفط التقليدي في اخر عشرين عاما بحوالي 50% واما الاحتياطيات العالمية للغاز الطبيعي فلقد ارتفعت بحوالي 60% لنفس الفترة وهذا يفسرالوفرة الحالية التي يشهدها العالم بالغاز. وأما بالنسبة لانتاج الغاز الطبيعي فكما يعرض «جدول 3» تتقدم الولاياتالمتحدة دول العالم بانتاج واستهلاك الغاز الطبيعي فهي تنتج حاليا حوالي 21% من الانتاج العالمي، ولقد شهدت أمريكا قفزات متتالية ومثيرة للدهشة بانتاجه نظرا للتقدم العلمي باستخراج الغاز الصخري. فلقد ارتفع انتاجها من 600 بليون متر مكعب في عام 2010م الى 765 بليون مترمكعب في عام 2015م وهى زيادة بحوالي 28% كلها من الغاز الصخري. وسوف يتم تحويل جزء كبير من الزيادة في انتاج أمريكا من الغاز الطبيعي الى غاز مسال بغرض التصدير وهذا ما يعادل حوالي 124 مليون طن سنويا وهى أعلى من نصف الانتاج العالمي الحالي للغاز المسال وهذا ما يؤرق الدول المنتجة للغاز المسال. ويبدو واضحا من الجدول أن روسياوقطر تنتجان كميات أكبر من استهلاكهما بعكس الصينوأمريكا. وتنتج روسيا حوالي 170 بليون متر مكعب سنويا من الغاز أكثر من استهلاكها المحلي، وهذه هى الكميات التي تصدرها روسيا سنويا. ويظهر الجدول 3 انه وعلى الرغم من امتلاك إيران لاحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي إلا أنها وبسبب العقوبات لم تصدر كميات كبيرة تعكس حجم احتياطياتها بعكس قطر التي جاءت في المركز الثاني بعد روسيا من حيث تصدير الغاز الطبيعي. ومن هنا يأتي اهتمام بعض الشركات الغربية مثل شل وتوتال بالغاز الايراني. الغاز الطبيعي المسال يهدف تسييل الغاز إلى نقل أكبر كمية منه عبر المحيطات بالناقلات البحرية العملاقة ولذلك يجري تبريد الغاز وضغطه ليتم تحويله إلى سائل وبالتالي يمكن نقل 10 أضعاف الكمية لو نقلت كغازعادي. وكانت أهم عقبة تواجه صناعة الغاز الطبيعي هى صعوبة تصديره إلى أماكن بعيدة مثل تصدير الغاز القطري أو الجزائري إلى اليابان لاستحالة مد انابيب لمسافة عشرات الآلاف من الكيلومترات. ومن هنا ظهرت أهمية صناعة تسييل الغاز الذى يتم نقله بواسطة الناقلات العملاقة عبر البحار. وتم تشييد أول مصنع لتسييل الغاز في الجزائر عام 1965م ولكن طفرة صناعة الغاز المسال تبلورت بشكل حقيقي بقطر والتي تعتبر حاليا وكما يعرض «جدول 4» أكبر دولة في العالم بتصدير الغاز المسال. وتبلغ قيمة تشييد مجمع انتاج الغاز المسال حاليا حوالي 1000 دولار لكل طن، فلو أن مجمعا شيد حاليا لانتاج 5 ملايين طن من الغاز المسال فتبلغ كلفة انشاء هذا المشروع حوالي 5 مليارات دولار. وتبلغ كمية الانتاج العالمي من الغاز المسال حوالي 240 مليون طن سنويا. وأما أسعاره فهى مرتبطة مباشرة بأسعار النفط العالمية، فعلى سبيل المثال، يحتوي برميل النفط على حوالي 6 ملايين وحدة حرارية. فعندما كانت أسعار النفط 100 دولار للبرميل كان سعر المليون وحدة حرارية من النفط حوالي 17 دولارا وهذا كان معدل اسعار الغاز المسال في تلك الفترة 17 دولارا لكل مليون وحدة حرارية. ولكن عندما انخفضت أسعار النفط الى حوالى 40 دولارا للبرميل انخفض سعر المليون وحدة حرارية النفطية الى حوالي 7 دولارات وفي هذه المرحلة انخفضت اسعار الغاز الطبيعي المسال الى مستويات 7 دولارات للمليون وحدة حرارية. وهذا يعرض بوضوح مدى ترابط أسعار النفط وأسعار الغاز الطبيعي المسال. يختلف تسعير الغاز الطبيعي عن تسعير النفط الذى يحدد سعره مدى التوازن بين العرض والطلب وعادة ما تكون أسعار النفط في كل انحاء العالم متقاربة مع فروقات بسبب جودة النفط المباع. واما الغاز الطبيعي فيخضع لقوانين مختلفة اذ يتطلب توقيع أي عقد لاستيراد الغاز الطبيعي استثمارات كبيرة تتمثل ببناء خطوط انابيب لعدة مئات الكيلومترات وربما تحت أعماق البحار مثل خط الغاز الجزائري الممتد الى اوروبا. ولذلك يتفق الطرفان (المصدر والمستورد) على عقود طويلة الاجل تمتد ربما لعشرين عاما بسعر يتفق عليه الطرفان وأغلب العقود الجديدة تربط بأسعار النفط العالمية بمعادلات سعرية. وهذا يعنى أن قيمة توريد الغاز تختلف بحسب الأطراف المتفقة. وتعتبر اليابان أكبر دولة في العالم مستهلكة للغاز الطبيعي المسال وذلك بسبب بعدها عن منابع الغاز واستحالة مد الانابيب تحت اعماق المحيطات لتوصيل الغاز إليها. وكما يعرض «جدول 5» فإن اليابان لوحدها استهلكت في العام 2014م حوالي 37% من الانتاج العالمي للغاز المسال ثم تأتي كوريا الجنوبية بحوالي 16%. ولو أمعنا النظر في جدول 5 لوجدنا ان كلا من اليابان وكوريا الجنوبيةوالصين وتايوان استحوذت على حوالي 70% من تجارة الغاز المسال العالمية ولذلك تبقى منطقة شرق آسيا أهم المناطق في العالم في استهلاك الغاز الطبيعي مقابل حوالى 16% للدول الاوروبية. ولقد تطورت أهمية الغاز المسال كمصدر رئيس للطاقة في العالم في السنوات الاخيرة بشكل لافت للنظر، فلقد ارتفع عدد الدول المستوردة له من 5 دول في عام 1999م الى حوالي 33 دولة في عام 2015م بدخول كل من الاردن ومصر وباكستان عالم استيراد الغاز الطبيعي المسال. وفى الفترة 2008-2013م بدأت كل من الكويت والامارات باستيراد الغاز الطبيعي المسال لتوليد الطاقة. وأما الولاياتالمتحدة فلقد انقلب الوضع فيها في بضع سنين من دولة كانت تستعد لتصبح من أكبر مستوردي الغاز المسال في العالم حيث شرعت ببناء منصات لاستقبال الغاز المسال القطري وغيره إلى دولة أصبح ينظر لها من أهم الدول القادمة في تصدير الغاز المسال ويحسب لها ألف حساب. ويجرى حاليا تشييد أربعة مصانع لانتاج الغاز الصخري المسال بطاقة تقارب 45 مليون طن بالسنة. وتم اقتراح مشاريع اضافية في امريكا واخذت موافقة الحكومة الامريكية لانتاج وتصدير 270 مليون طن سنويا. ولو تم المضي قدما بكل هذه المشاريع فان امريكا ستصدر حوالي 315 مليون طن سنويا من الغاز المسال وهو ما يعادل حوالي اربعة اضعاف ما تصدره قطر. وحتى كندا فان مشاريع انتاج الغاز المسال الموافق عليها تقدر طاقتها التصديرية بأكثر من 100 مليون طن سنويا. وتطمح الشركات الأمريكية بتصدير الغاز المسال الى آسيا واوروبا واحتفلت قبل أسابيع بتصدير أول شحنة من الغاز المسال الأمريكي (عدا الاسكا) إلى البرازيل. المصانع الجديدة لانتاج الغاز المسال بالعالم تم في عام 2015م انجاز أربعة مشاريع لانتاج الغاز المسال في كل من استراليا والجزائر واندونيسيا وغينيا الجديدة، ولقد بلغت طاقة هذه المشاريع مجتمعة حوالي 20 مليون طن بالسنة. ويجري حاليا في عام 2016م العمل على انجاز 16 مشروعا لانتاج الغاز المسال حول العالم يمكنها اضافة حوالي 12 مليون طن في عام 2016م وحوالي 33 مليون طن في عام 2017م. لاشك ان المشاريع الجديدة في كل من استرالياوامريكاوكندا ستغير من شكل واساسيات صناعة الغاز المسال والى الأبد. ولقد استثمرت الشركات العالمية حوالي 180 مليار دولار لانتاج 60 مليون طن من الغاز المسال في استراليا بعد عدة سنوات واما امريكا فيجري العمل لانجاز مصانع قادرة على انتاج 60 مليون طن اخرى وسوف تضاف حوالي 20 مليون طن اخرى من ماليزياوروسيا وبهذا فان القدرة الانتاجية العالمية ستزداد بحوالي 140 مليون طن في غضون 2-3 سنوات وهو تهديد حقيقي لاسعار الغاز المسال العالمية. وهذا جعل بعض الشركات التي تنوي انشاء مصانع جديدة تتراجع بسبب المستقبل غير الواضح لصناعة الغاز المسال في ظل وفرة الانتاج من استرالياوامريكا الشمالية. وتعد هذه المشاريع قيد الانشاء التي من غير الممكن التراجع عن بنائها للالتزام مع عملاء بعقود طويلة الأمد لشراء الغاز المسال المنتج. لكن ارتفاع تكاليف الانشاء وعدم وضوح الرؤية بمستقبل أسعار الغاز المسال قد يلغي الكثير من المشاريع المقترحة التي لم يبدأ العمل بانشائها. ويعرض «الجدول 6» الكميات الكبيرة القادمة من الغاز المسال إلى الاسواق العالمية ويبدو واضحا ان كلا من امريكاواسترالياوكندا سيبدأون المرحلة الثالثة من تاريخ الصناعة العالمية من الغاز المسال، حيث المرحلة الأولى كانت الجزائر وماليزيا ونيجيريا واندونيسيا وتسيدت قطر بلا منازع المرحلة الثانية وها هى استرالياوامريكا الشمالية تنتزع الصدارة من قطر لتبدأ المرحلة الثالثة والتي يمكن تسميتها الغاز المسال غير التقليدي. ولكن من المهم ذكر ان التكاليف المرتفعة لانشاء هذه المصانع وهبوط أسعار الغاز المسال تلقى كثيرا من الشكوك حول مستقبلها. فعلى سبيل المثال ارتفعت كلفة مشروع جارجون الاسترالى من 37 مليار دولار في عام 2009م الى 54 مليار دولار في عام 2013م ومازالت التكاليف في الارتفاع مما ألقى كثيرا من الشكوك حول جدواه الاقتصادية. وحتى المشاريع الصغيرة مثل مشروع بلوتو الاسترالي ارتفعت تكاليفه بحوالي 3 مليارات دولار عن الكلفة في دراسة الجدوى الأساسية. وبحلول عام 2018م يصبح بامكان شركات الغاز المسال بامريكا تصدير حوالي 30 بليون متر مكعب لاوروبا وهذه الكميات تعادل حوالي ربع كميات الغاز الروسي المصدر عبر الانابيب إلى اوروبا. وفي الختام نظرا لقلة الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز الطبيعي مقارنة بالفحم فان العديد من دول العالم تتجه الى الاعتماد اكثر على الغاز الطبيعي في توليد الطاقة. فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة الغاز الطبيعي في توليد الطاقة في امريكا من 22% الى 27% بين 2007م الى 2014م ويتوقع ان يستمر نمو الاعتماد على الغاز الطبيعي في توليد الطاقة بامريكا ليصل الى 41% بعد عشرين عاما مقابل انخفاض لنسبة الفحم في خليط الطاقة الامريكي. أي أن نسبة حرق الفحم في توليد الطاقة بامريكا ستنخفض من 50% في 2007م الى 16% بحلول 2036م. ان الغاز الطبيعى هو المصدر المثالي لتوليد الطاقة في كل دول العالم ولذلك الأمل ان يزداد الاعتماد عليه في توليد الطاقة في العالم وخفض حرق الفحم أوالنفط الخام.