منذ ازدياد ايرادات الدولة من البترول كان هناك سباق مع الزمن لتطوير الاقتصاد الوطني، وفي فترة زمنية قياسية قامت العديد من المشاريع التنموية في مختلف المجالات مما زاد من الطلب على العمالة الوافدة بما يفوق كثيراً على المعروض من القوى العاملة الوطنية كماً ونوعاً، وبذلك كان الخيار آنذاك في التوجه الوحيد لاستقدام أعداد كبيرة من العمالة الوافدة للمساعدة في تنفيذ المشاريع التنموية المختلفة، وبعد ذلك دخلنا مرحلة حرجة كانت في ازدياد اعداد الداخلين لسوق العمل تدريجياً من الأيدي العاملة المحلية في سوق عمل كان مدمناً على الأيدي العاملة الوافدة ومحتكراً لمهن على جنسيات معينة. بالرغم من توافر أعداد كبيرة في الوقت الراهن من الكفاءات الوطنية نتيجة لعدة عوامل وأهمها التوسع في التعليم والتدريب وبرامج الابتعاث خلال العشرين سنة الماضية، الا انه ما زال هناك استمرار في استقدام العمالة الوافدة، ومن وجهة نظري الشخصية لا أرى ان الخلل يكمن في هذه النقطة تحديداً، ولكن الخلل الأكبر هو عدم وجود إستراتيجية واضحة لعملية إحلال الأيدي العاملة المحلية "تدريجياً" بدلاً من الوافدة وفي مهن أوسع من الوضع الحالي الذي يتم من خلاله قصر بعض الأنشطة والمهن على المواطنين، وكان الهدف المعتاد ذكره في كل إجراء أو قرار هو وجود أعداد كافية من العمالة المحلية لشغل تلك الأنشطة أو المهن ومن ثم يبدأ البتر مرة واحدة، وإجراء البتر لا يعتبر إجراءً صحيحاً في كل محاولة. السوق يشهد متغيرات عديدة في عدة جوانب، وأجور المهن تختلف وتشهد تغييراً ملحوظاً مع ارتفاع الطلب على المهنة، وجامعاتنا ما زالت تخرج أعداداً كبيرة بدون أي مواءمة مع احتياجات السوق لسنوات مستقبلية، ومن خلال الوضع الحالي لا يمكن الحصول على أي احصائيات دقيقة عن المهن التي يشغلها الأيدي العاملة الوافدة بسبب ان اغلبهم يعملون في مهن تختلف عن المهن المذكورة في تأشيراتهم التي تم استقدامهم عليها. المرحلة القادمة ستشهد قرارات عديدة في قصر مهن وأنشطة على المواطنين، وتوقعي الشخصي أن القصر سيشمل مهنا وأنشطة دخلها سيكون أقل من دخل مهن وأنشطة مهمة من الأولى أن يتم البدء في قصرها على المواطنين، ولذلك من المهم جداً أن يكون هناك تفرقة ما بين "القصر" وما بين "الإحلال التدريجي" للمهن والأنشطة، فهناك العديد من الأيدي العاملة المحلية وفي تخصصات مرغوبة ولكن العائق أمام توظيفهم هو استمرار وجود أيدٍ عاملة وافدة في نفس تخصصاتهم، فعلى سبيل المثال مازال هناك أعداد كبيرة من المحاسبين والمهندسين والمعلمين والأطباء السعوديين والسعوديات في قائمة البطالة، بالرغم من وجود عمالة وافدة في تلك المهن ولسنوات تمتد لأكثر من عشر سنوات في السوق السعودي، وما زالت هناك قطاعات يحصل من خلالها العاملون الوافدون فيها على أجور مرتفعة بالإضافة لعمولات عالية ويقومون بتحويل أموال عديدة لخارج المملكة كقطاع التأمين. ختاماً، وجه وزير العمل بإنشاء برنامج "التوطين الموجه" الذي يستهدف تحديد مسارات التوظيف المستقبلية، وأتمنى أن يكون من خلال البرنامج مرونة أكبر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وعدم القسوة عليهم، وأتمنى أن يكون هناك تركيز أكبر على "الإحلال التدريجي" في بداية البرنامج قبل النظر في "القصر المباشر" على المهن أو الأنشطة، فالإحلال التدريجي وخصوصاً للمهن ذات الأجور المناسبة للمعيشة والتي عمل فيها الوافدون سنوات طويلة سيكون تأثيرها إيجابياً أكبر من القصر المباشر.