تشير إحصائيات تضمنها العدد الأخير من نشرة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى تزايد اعتماد دول المجلس على العمالة الاجنبية، حيث بلغ متوسط نسبتها إلى مجموع العمالة نحو 80% في هذه الدول. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي الدور الهام الذي تقوم به العمالة الوافدة من خلال مشاركتها في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومساهمتها في سد النقص الكلي في العمالة الوطنية التي تحتاجها التنمية المتسارعة، إلا أنه في المقابل هناك آثار سلبية خلفتها العمالة الأجنبية التي لم تكن تخضع لخطط مدروسة ومعايير واضحة ومحددة لاستقطابها أدى لاستقرارها في هذه الدول لسنوات طويلة مما خلق العديد من الآثار السلبية على اقتصاديات ومجتمعات دول المجلس. ويشير تطور نسبة العمالة الوافدة في كل دولة من دول مجلس التعاون حسب إحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقارير وزارات العمل في هذه الدول ما بين عامي 2001 و 2013 أن حجم العمالة الأجنبية ارتفع إلى نحو 19 مليون عامل عام 2013 وأن نسبة هذه العمالة من إجمالي العمالة في مملكة البحرين كانت 58.8% عام 2001 ثم ارتفعت إلى 80% عام 2013، وفي المملكة العربية السعودية ارتفعت من 50,2% إلى 70%، وفي سلطنة عمان زادت من 74% إلى 77%، وفي دولة قطر طفرت من 53,9% إلى 88%، وأخيرًا دولة الكويت زادت من 80,4% إلى 84.8%. وتشير تلك الإحصائيات الى أن تطور العمالة الوافدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بلغ أقصاه وبنسبة 93% من إجمالي القوى العاملة عام 2013. إن استمرار هيمنة العمالة الوافدة واستحواذها على هيكل وتركيبة سوق العمالة الخليجية خصوصًا لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة بين مواطني دول المجلس وبلغت كمتوسط عام حوالي 7% على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وتتفاوت نسبة البطالة من دولة لاخرى. كما أدت تلك الهيمنة إلى زيادة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدانها، حيث بلغت هذه التحويلات نحو 100 مليار دولار عام 2014. كما تؤدي تلك الهيمنة أيضا إلى زيادة الضغط على السلع والخدمات والأجور حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرهم على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من دول المجلس لكثير من الخدمات. لقد سعت دول الخليج العربية للتنسيق بينها لاتخاذ العديد من الخطوات للحد من تفاقم معدلات البطالة وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، ومنها السعي لوضع قيود على جلب الأيدي العاملة الأجنبية، وتشجيع توطين الوظائف. وعلى صعيد التجارب الوطنية تبرز تجارب عدد من الدول مثل السعودية وسلطنة عمانوالبحرينوقطر في مجال التوطين، حيث وضعت سياسة تقوم على أساس التحكم في معدلات البطالة من خلال عدة إجراءات، منها تنفيذ حملة لحصر وتسجيل وتوظيف المواطنين في القطاع الخاص ودعم تدريب وتوظيف المواطنين في القطاع الخاص الذي يهدف إلى توفير الظروف المناسبة لاستيعابهم في هذا القطاع. نحن نعتقد بضرورة أن يقوم مجلس التعاون الخليجي بوضع إستراتيجية تعاونية شاملة ومتكاملة وتشتمل على الخطط الزمنية والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ، تستهدف الحد من تدفق العمالة الوافدة وإحلال وتوطين العمالة الوطنية بدلاً منها. كذلك تكوين أجهزة متخصصة في وزارات العمل في دول مجلس التعاون الخليجي لتجميع إحصائيات سوق العمل والمعلومات المرتبطة بالموارد البشرية، والربط الالكتروني بين هذه الأجهزة بما يسهم في التعرف على حركة العمالة الوافدة بين دول المجلس واتجاهاتها ومعدلات نموها خاصة مع قيام السوق الخليجية المشتركة. كما أن على دول التعاون مجتمعة إعادة النظر في القوانين والتشريعات ونظم العمل الخليجية بما يساهم في إحلال العمالة المواطنة محل العمالة الوافدة وترحيل العمالة الوافدة حال انتهاء المشاريع المرتبطة بوجودها لكي لا تتحول إلى عمالة مقيمة. كذلك تنسيق مزايا العمل والضمان الاجتماعي في القطاعين العام والخاص بما يشجع العمالة الوطنية للعمل في أنشطة القطاع الخاص على مستوى دول المجلس، وبالتالي تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة في هذه الأنشطة. كما يتوجب دعم توجهات دول المجلس نحو وضع قانون موحد ينظم عمل العمالة الاجنبية ويعمل على ابعاد العمالة التي توصف بالهامشية وغير الماهرة. ويهدف هذا القانون إلى وضع آليات يمكن من خلالها التأكد من حقيقة مهارة العامل الوافد للمهنة التي استقدم من اجلها والقضاء على ظاهرة تزوير المهن المتفشية في المنطقة. واذا ربطنا هذا التوجه، مع الجهود والقرارات والاجراءات التي اتخذت في الآونة الاخيرة في دول التعاون ومنها المتصلة بضبط العمالة السائبة، واعادة هيكلة قوانين تخص القوى العاملة الوافدة، ومنها ما يتعلق بالغاء نظام الكفيل، ومواجهة ظاهرة التستر التجاري، والمتاجرة بالتأشيرات وبجهود الآخرين وغير ذلك من الاجراءات والتوجهات المعلنة وتلك التي قيد الدراسة والبحث، فاننا قد نخلص إلى أن دول التعاون باتت تستشعر الحاجة بشكل غير مسبوق ربما الى جهد خليجي مشترك يعيد فلسفة استقدام العامل الأجنبي بحيث تربط بالحاجة إلى اليد العاملة الماهرة والمدربة التي لا تتوافر في السوق المحلي، ووضع حد أدنى لمستوى التعليم والسنة والخبرة والمهارة، والحيلولة دون دخول هذه الدول من يريد أن يتعلم مهنته على حسب البلد والمجتمع.