تصل هذه الأيام أول شحنة من نوعها تحمل الايثان المستخرج من الصخور الامريكية إلى شركة اينوس البتروكيماوية في النرويج. وسوف يستخدم الايثان الامريكي كلقيم لانتاج البلاستيك بديلاً للنافثا المشتق البترولي. ولقد واجهت الشركات البتروكيماوية الاوروبية خطراً حقيقياً اوشك على أن يخرجها من المنافسة عندما ارتفعت أسعار النفط في الفترة 2011-2014م وارتفعت معها أسعار لقيم النافثا وأصبحت غير قادرة على منافسة الايثان المصاحب لانتاج النفط في الدول المطلة على الخليج العربي او الايثان المستخرج في امريكا من المصادر الصخرية. وكما يعرض الشكل وبشكل تقريبي فان سعر طن الايثان في امريكا في عام 2014م وصل الى حوالي 150 دولارا مقابل 900 دولار لطن النافثا في تلك الاوقات. وهذا ما جعل شركات البتروكيماويات الاوروبية تفكر جدياً بالتغلب على معضلة ارتفاع أسعار اللقيم بأوروبا واهتدت الى استيراد الايثان الامريكي الفائض في الاسواق الامريكية والذي اصبح يحرق لتوليد الطاقة لعدم وجود من يشتريه. ولهذا فان الاتفاق الذي ابرمته شركة اينوس لشراء الايثان الامريكي ونقله الى اوروبا أصبح بديهياً ولا يقبل المناقشة في تلك الأوقات عندما كان الفرق بين سعر طن النافثا وطن الايثان أكثر من 600 دولار. ولو افترضنا ان كلفة النقل والتأمين من امريكا لاوروبا تقدر بحوالي 100 دولار للطن فان فكرة شراء الايثان كانت ناجحة قبل أن تبدأ ومن أجل ذلك استثمرت شركة اينوس حوالي 2 بليون دولار لبناء أماكن لتخزين الايثان وتشييد الناقلات. ولقد خطت كل من شركة بورياليز وسابك وريلانس خطى انيوس في شراء الايثان الامريكي كبديل عن لقيم النافثا. الحقيقة ان وصول الايثان الامريكي الى اوروبا يعد بمثابة بداية عهد جديد لصناعة البتروكيماويات العالمية. ويعتبر الايثان اللقيم الذهبي للصناعات البتروكيماوية حيث يتم تحويل 80% منه الى ايثيلين مباشرة لاستخدامه في صناعة البلاستيك. وبذلك تتم الاستفادة من فائض الايثان في امريكا جراء نهضة صناعة الغاز الصخري في التصدير لاوروبا حتى لا يتم حرقه مع الغاز الطبيعي. والجدير بالذكر ان انتاج امريكا من الايثان ارتفع من 0.87 مليون برميل باليوم في عام 2010م الى 1.1 مليون برميل باليوم في عام 2015م وتضاعف انتاج البروبان من 0.6 مليون برميل باليوم فى عام 2010م الى 1.2 مليون برميل باليوم في عام 2015م. وفي نفس السياق فلقد تم الاعلان عن اقامة اكثر من عشرة مصانع جديدة في امريكا للاستفادة من لقيم الايثان بالاضافة الى توسعات تم عملها في مصانع داو كميكال وشركة ليونيديل باسل للاستفادة من فائض الايثان، ولكن مع كل ذلك فان كميات الايثان المستخرجة كانت كبيرة وفاقت التوقعات ولم تكن في حسبان الشركات البتروكيماوية بامريكا وهذا أحدث فجوة كبيرة بين منتجي الايثان وبين صناعة البتروكيماويات أدت اولا الى انهيار اسعار الايثان الى مستويات تاريخية وصلت الى حوالي 2 دولار للمليون وحدة حرارية بعدما كانت قبل عدة سنوات تباع بحوالي 14 دولارا للمليون وحدة. ولان اقامة المصانع المعلن عنها يستغرق عدة سنوات فان جزءاً كبيراً من الايثان المنتج حالياً لا يجد له اسواقاً، حتى انه بيع في شهر مايو من العام المنصرم باسعار اقل من اسعار الغاز الطبيعي وذلك لانخفاض محتواه الحراري مقارنة بالغاز الطبيعي. اي ان غاز الايثان اصبح يحرق لانتاج الطاقة لعدم وجود مصانع بتروكيماوية قادرة على الاستفادة منه، مما تسبب بخسائر كبيرة للمنتجين. ولكن يعتبر تصدير الايثان الى خارج امريكا الشمالية حلاً جذرياً لمشكلة انخفاض الاسعار الذي هدد بوقف انتاج الايثان. وبهذا فان تصدير اول شحنة وقدرها 170 ألف برميل الى النرويج سيأخذ من فائض الايثان وسيستغرق الطريق من أمريكا إلى النرويج حوالي عشرة أيام. وهذا يعني لو تم استخدام عشر ناقلات لامكن تصدير حوالي 2 مليون برميل كل عشرة ايام او حوالي 200 الف برميل ايثان باليوم وهو ما سوف يشعل اسعار الايثان بامريكا خاصة مع اقتراب تشغيل بعض مصانع انتاج الايثيلين الجديدة. ولقد ارتفعت اسعار الايثان الفورية بامريكا الى 2.8 دولار للمليون وحدة حرارية عندما غادرت اول شحنة ايثان الى النرويج وهو أعلى سعر يسجل بامريكا منذ اربعة اشهر. لاشك ان عمليات التصدير هذه ارسلت رسالة قوية الى المستهلكين مفادها ان الايثان الامريكي سيباع باوروبا باسعار تقارب لاسعار النافثا وهي بعيدة كل البعد عن الأسعار المنخفضة الحالية بامريكا. وتسبب انخفاض أسعار النفط الحالية الى هبوط سعر طن النافثا حالياً الى حوالي 350 دولارا. وللمقارنة فقد يكلف حالياً طن الايثان الامريكي وصولاً الى اوروبا الشركات البتروكيماوية حوالي 250 دولارا. ولكن النافثا يعتبر افضل للصناعات البتروكيماوية لانه قادراً على انتاج الايثيلين والبروبيلين والعطريات وهذا من يجعل نوعية المصانع البتروكيماوية العامل المحدد لاستيراد الايثان أو النافثا. ويمكن أن يكون سعر الايثان المصدر إلى اوروبا مرتبطا بمعادلة سعرية بأسعار النافثا ولذلك فان انخفاض أسعار النفط لم يساعد الشركات الامريكية المصدرة للايثان. فلنا ان نتخيل لو وصلت أسعار النفط الى 60 دولارا للبرميل ووصلت اسعار النافثا الى حوالي 600 دولار للطن فذلك يعني ان الشركات المنتجة والمصدرة للايثان الامريكي الى اوروبا سوف تربح اموالاً طائلة جراء تصدير الايثان لان سعر الايثان في اوروبا مرتبط بسعر النافثا هبوطاً وطلوعاً بينما سعر الايثان في امريكا لا علاقة له بأسعار النفط. الحقيقة ان أسعار النفط تتحكم بكل شيء في عالم الطاقة والبتروكيماويات. فعندما فكرت شركة اينوس بشراء الايثان الامريكي كان سعر النفط انذاك حوالي 100 دولار للبرميل وسعر طن النافثا اللقيم المنافس للايثان حوالي 900 دولار وكانت اسعار الايثان في امريكا انذاك حوالي 200 دولار للطن. ومن هنا رأت اينوس وشركات اخرى ان شراء الايثان الامريكي لمصانعها في اوروبا يمكن ان يحميها من ارتفاع اسعار النافثا. ولكن عندما تم الانتهاء من تجهيز البنية التحتية في امريكا لتصدير الايثان وفي النرويج لاستقبال الايثان انخفضت أسعار النفط العالمية الى حوالي 35 دولارا للبرميل وانخفض معها سعر طن النافثا الى حوالي 350 دولارا للطن. ويعتبر حالياً لقيم النافثا عند هذا السعر الافضل لصناعة البتروكيماويات لان تكسير النافثا ينتج مواد متنوعة ذات قيمة مضافة أكثر من تكسير الايثان مثل البروبيلين والعطريات وغيرها. ومن هنا يمكن القول إن انخفاض أسعار النفط العالمية وأسعار النافثا قد غير الكثير من ربحية تصدير الايثان الامريكي. وفي الختام يمكننا القول إن العالم يتغير بخطى سريعة واستطاعت امريكا بتصديرها للنفط وللغاز الطبيعي ولسوائل الغاز الطبيعي تغيير كثير من المعادلات سواء في عالم الطاقة او صناعة البتروكيماويات وعلى الجميع التعامل مع هذه المعطيات وفق قوانين لعب جديدة.