استحوذت سابك في أواخر عام 2006م على مجمع هنتسمان للبتروكيماويات في بريطانيا وكانت خطوة رائدة آنذاك تهدف للدخول إلى الأسواق الأوروبية والعالمية. ولقد بلغت قيمة هذا الاستحواذ حوالي 700 مليون دولار حصلت سابك بموجبه على مصنع هنتسمان والذي ينتج سنوياً حوالي 1.25 مليون طن من الاولفينات وحوالي 1.5 مليون طن من العطريات المختلفة. ولانتاج هذه المواد يحتاج هذا المجمع لاكثر من 2.5 مليون طن نافثا بالسنة كلقيم. وعندما حصل هذا الاستحواذ كان سعر نفط برنت حوالي 60 دولارا للبرميل وبالتالي فان سعر طن لقيم النافثا بلغ انذاك حوالي 540 دولارا أو ما يعادل 12 دولارا لكل مليون وحدة حرارية. وفي امريكا، كانت أسعار الايثان المنافس الرئيس للنافثا آنذاك حوالي 12 دولارا للمليون وحدة أو 588 دولارا للطن فكانت الأسعار متقاربة والمنافسة معقولة. ولكن بعد سنوات من هذا الاستحواذ ارتفعت أسعار النفط ولتسجل بعد ذلك سعرا وسطياً عند 100 دولار للبرميل ما بين منتصف 2010م ومنتصف 2014م. وهذا يعني أن سعر طن النافثا اللقيم البتروكيماوي في اوروبا بلغ حوالي 900 دولار أو ما يعادل حوالي 21 دولارا للمليون وحدة حرارية. وفي مقابل ذلك انخفض سعر الايثان الامريكي في عام 2013م الى حوالي 4 دولارات للمليون وحدة حرارية (بسبب طفرة الغاز الصخري) وبذلك أصبحت المجمعات البتروكيماوية في اوروبا لا تستطيع منافسة صناعة البتروكيماويات الامريكية وبالتأكيد الخليجية. وللمقارنة بسعر الايثان في المملكة وهو جزء من اللقيم المستخدم لانتاج الايثيلين في المملكة، فان سعر الايثان في المملكة 0.75 للمليون وحدة حرارية وهذا السعر (الأرخص بالعالم) ثابت منذ عام 1998م وبدون أي تأثر بأسعار النفط العالمية. وهذا ما جعل اللقيم السائل في اوروبا اغلى واضعف من اللقيم الغازي في المملكة بأكثر من 25 ضعفاً، رغم ميزة النافثا بانتاج كميات متنوعة من البتروكيماويات الأساسية كانتاج المزيد من البروبيلين والعطريات وكميات أقل من الايثيلين. وبسبب غلاء سعر اللقيم في اوروبا واليابان واجهت المصانع البتروكيماوية فيهما الكثير من الصعوبات والمتاعب الاقتصادية وخاصة عندما ارتفعت أسعار النفط بصورة غير مسبوقة. وتشهد امريكا حالياً نهضة كبيرة بانتاج مادتي الايثان والبروبان، حيث ارتفع انتاجهما في الاربع السنوات الأخيرة بأكثر من 50%. ولاشك أن الشركات المنتجة للايثيلين من لقيم النافثا في كل من اوروبا وآسيا سوف تتعرض لبعض الصعوبات من جراء التوسعات الامريكية مما يعني زيادة في انتاج الايثيلين وبكلفة أقل. وتعتبر تكلفة انتاج الايثيلين من النافثا أعلى بأربع مرات من تكلفته من لقيم الايثان. لن يستطيع الايثيلين المنتج من النافثا منافسة الايثيلين المنتج من الايثان بسبب انخفاض أسعار الايثان في أمريكا الشمالية ومنطقة الخليج العربي. ويباع حالياً الايثان في امريكا بحوالي 3 دولارات للمليون وحدة حرارية وهذا ما يعد البتروكيماويات الاوروبية والآسيوية بمزيد من الضغوط والأوقات الصعبة. لذلك تأمل الكثير من الشركات البتروكيماوية الأوروبية والآسيوية باستيراد الايثان الفائض من امريكا. وبحسب المصادر الامريكية فان هنالك حالياً كميات كبيرة فائضة من الايثان والذي يحرق حالياً مع الغاز الطبيعي لعدم وجود مصانع جاهزة في امريكا لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة والتي انتجت بدون تخطيط وتنسيق مع مصنعي البتروكيماويات في امريكا. ويبدو ان الكميات الكبيرة المنتجة من الايثان تفوق قدرة الاسواق في امريكا الشمالية على استيعابها. وفعلاً تم الاعلان عن البدء بتصدير الايثان من امريكا إلى عدد من دول العالم. وقبل أيام أشار الرئيس التنفيذي بالإنابة لشركة سابك إلى أن الشركة وقعت اتفاقاً ولمدة عشر سنوات قابلة للتجديد لاستيراد الغاز الصخري (الايثان) من الولاياتالمتحدة ولاستخدامه في مجمع تيسايد للبتروكيماويات في بريطانيا. وسيتم استخدام هذا الغاز بحلول الربع الأول من السنة القادمة. وسبق أن قالت سابك إن ندرة إمدادات الغاز المحلية تضطرها إلى النظر خارج الحدود إلى فرص للتزود من هذه الغازات. وفي العام الماضي أعلنت الشركة أنها تنوي تعديل وتطوير وحدة التكسير في تيسايد للاستفادة من فرص استيراد الغاز الصخري من الولاياتالمتحدة. قد تصل تكلفة الايثان الامريكي وصولاً الى المصانع في اوروبا بالأسعار الحالية حوالي 6 دولارات للمليون وحدة حرارية وهو بذلك سيكون فرصة مثالية للمجمعات البتروكيماوية هنالك لتستعيد أنفاسها. هل سينعش الايثان الامريكي صناعة البتروكيماويات المريضة في كل من اوروبا واليابان وخاصة في ظل انخفاض أسعار النفط والنافثا؟ الأكيد أن السنوات الخمس القادمة ستشهد الكثير من المتغيرات في صناعة البتروكيماويات العالمية. ومازال السؤال قائماً، ان وجود الغاز الطبيعي والايثان وبأسعار تقل عن 3 دولارات للمليون وحدة حرارية بامريكا يعد فرصة ذهبية لن تتكرر ومع وجود السيولة المالية لدى الشركات البتروكيماوية الخليجية إلا أنها لم تستغل هذه الفرص التي لاحت بالأفق منذ بدايات 2012م. تستطيع هذه الشركات وبما لديها من سيولة وخبرات أن تبني ثلاثة مصانع، واحد لانتاج الاسمدة والآخر لانتاج الايثيلين والثالث لانتاج البروبيلين من البروبان (PDH). ولقد جاءت اكسون وشل وشيفرون الى المملكة في اواخر السبعينات للمساهمة في النهضة الصناعة السعودية للبتروكيماويات وكان من المفترض أن نستفيد من وفرة انتاج سوائل الغاز الصخري الامريكي والتي قد تكون فرصة من الصعب تعويضها. الحقيقة ان وفرة الانتاج الامريكي لسوائل الغاز قد تغير مجرى الصناعات البتروكيماوية وستصبح بعد سنتين أمراً واقعاً على الجميع التعامل معه. * مدير مركز التكرير والبتروكيماويات - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن