أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً --- أَنْ تحسَبَ الشَّحمَ فيمن شحمُهُ وَرَمُ "المتنبي" يقول "لورانس بيتر" أستاذ التربية بجامعة جنوب كاليفورنيا في كتابة المنشور منذ نحو نصف قرن مضى، إنه في وجود تسلسل هرمي في المنظمات، فإن الناس ترتقي في السلم الهرمي حتى تبلغ مرحلة عدم الكفاءة. وبمرور الوقت، فإن كل منصب في المنظمة سيشغله شخص غير كفء. ويبقى فقط أولئك الذين لم يصلوا بعد إلى مستوى عدم الكفاءة ينجزون عمل المنظمة. سُمِّيَ هذا "مبدأ بيتر." وهو مفهوم في نظرية الإدارة يشير إلى أن اختيار مرشح لمنصب جديد يعتمد على أداء ذلك المرشح في دوره المنوط به حاليا، بدلا من التركيز على قدراته المتعلقة بالدور المرشح له. ولذلك، فإن صعود الموظفين إداريا يتجمد فقط عندما يكونون عاجزين عن القيام بأداء فعال. فالوصول إلى مستوى العجز لا مناص منه. فالبعض يخترق الهيكل الوظيفي مسابقا الزمن ليصل إليه سريعا، ثم "يبيض ويصفِر" هناك، والبعض يصل إليه على مهل. ويحتاج الناس الذين يرغبون في الوصول سريعا إلى مستوى عجزهم، لممارسة قوة "سحب،" من خلال التقرب إلى أصحاب النفوذ والمسؤولين للمساعدة في شدّهم للأعلى للوصول بسرعة. فنحن غالبا نستخدم الطرق والأدوات التي جربناها ونجحت في الماضي، في محاولتنا لمعالجة مشاكل وتحديات جديدة علينا في المستقبل. وهذا يقود غالبا للفشل. ولا يعني هذا أن الشخص الذي وصل مستوى عدم الكفاءة سيّئ أو غير أهل للثقة. ولكن قد تكون قدراته وخبرته ومنهجه في العمل لا تتناسب ومتطلبات الوظيفة الجديدة. وتتفاقم هذه المشكلة عندما ترتكب معظم المنظمات الخطأ بترقية الموظفين إلى مناصب قيادية لأن أداءهم في مواقعهم الحالية جيد. فالجيدون من المحاسبين والمصرفيين والمهندسين والمحامين والعلماء وغيرهم يجدون أنفسهم يصعدون إلى مناصب قيادية نتيجة لما حققوه باستخدام مهاراتهم الوظيفية وتجاربهم وخبراتهم. ولكن العديد من هؤلاء القادة الطارئين يفتقرون للإعداد الجيد لأن يكونوا في المقدمة، وفي مواجهة الناس، وأن يتعاملوا مع تحديات القيادة التي تتطلب إلهام زملائهم وبث روح الحماس فيهم. فالمهندس الكيمائي الناجح في عمله، الذي لا يكاد يحتك إلا بعدد محدود من الموظفين، قد يقع في ورطة إذا وجد نفسه فجأة يقود أعدادا كبيرة من الناس، ويحتاج إلى أن يعرف كيمياء التعامل معهم. والطبيب الماهر في الجراحة قد لا يصلح أن يقود وزارة للصحة أو حتى مشفى، إذا كان يستخدم المشرط في حل كل تحدٍّ يواجهه. وكونك متخصصا في القانون، فهذا لا يؤهلك لأن تقود شركة محاماة. والشخص المتعود على تنفيذ الأوامر والتعليمات سيفشل حتما إذا رقّي إلى منصب يتطلب الإبداع والمبادرة بصنع القرار. وعادة ما تلجأ كثير من المنظمات إلى تعيينات من هذا القبيل وتغفل القدرات والمهارات الإدارية التي يحتاجها المنصب الجديد. وفي النهاية، ينتهي الأمر بقيادي سيئ بالإضافة إلى فقدان أفضل الأشخاص المنجزين في المنظمة. وفي الغالب فإن هؤلاء الأشخاص غير الأكفاء يبقون في مناصبهم ولا يزاحون. والسبب يرجع إلى أنهم يعلمون الكثير من أسرار رؤسائهم فلا تسهل إزاحتهم، أو أن الناس تتعاطف معهم لعملهم ساعات طوالاً، أو لأن رؤساءهم أنفسهم غير أكفاء فلا يكتشفون عجزهم. ويستثنى من ذلك فقط الناس المميزون في كفاءتهم أو عدمها، حيث لا يسمح غالبا لهؤلاء بالبقاء في مناصبهم لأنهم يجلبون العار للبقية. ويصف بيتر حتمية الوصول إلى موقع عدم الكفاءة ب "متلازمة التعيين النهائي،" حيث يلجأ عديمو الكفاءة إلى البحث المحموم عن المظاهر مثل الاهتمام بسعة مكاتبهم وأثاثها والحرص على التفوق على زملائهم في ذلك. فعندما تكون منتجا ومُبدعا، فالكل يرى ذلك. وعندما تصل إلى مرحلة العجز، فإن الناس لا تحكم عليك من خلال مخرجاتك (حيث ليس لديك ما تنجزه أو تقدمه)، ولكن من خلال مدخلاتك، مثل قدومك للعمل مبكرا، أو الاهتمام بالشكليات الأخرى. ويقول بيتر: إن العديد من الناس يجهلون أنهم قد وصلوا إلى مستوى عدم كفاءتهم. وهذا شيء جيد لأنه يبقيهم مشغولين دائما ومتحفزين للوثوب للأعلى، فلا يفقدون الأمل لتحقيق طموحاتهم. وذلك يساعد على إبقائهم أصحاء وسعداء. وهناك من القادة من يتعمد الفشل في مهمته لينجو من تسلم مهمة أعلى لا يريدها، دون أن يضطر للاعتراف بذلك. إذن هناك عدم كفاءة إبداعية ومتعمدة. فالشخص الذي يتعلم ارتداء ملابس غير مناسبة أو "ينسى" حضور اجتماع مجدول بحضور رؤسائه، أو يركن سيارته مكان سيارة رئيسه، غالبا ما يُشطب اسمه من قائمة المرشحين لمناصب قيادية. ونرى تكاثر غير الأكفاء عندما تكون المهارات التي يحتاجها الإنسان للحصول على المنصب ليس لها علاقة بالمهارات التي يتطلبها المنصب نفسه. فكثيرا ما يكون التزلف والانبطاح أو الواسطة أو القربى هي المعيار. ولذلك نرى عبر التاريخ كله، كيف أخطأ قادة عظام بتقليد أقربائهم والمقربين منهم مناصب حساسة لا يملكون القدرة على إدارتها، فينتهي الأمر بنكبة مدوية على الجميع. فيكون الشدّ للأعلى سببا للسقوط، تماما كالنملة التي ما أن ينبت لها جناحان وتطير حتى تقع فتموت.