ماذا لو قلبنا الطاولة، ماذا لو قوم المرؤوسون أداء الرئيس؟ سؤال صاعق، أليس كذلك؟. نعم هو كذلك في ثقافتنا الشرقية المقيّدة. في الدول المتقدمة، لا تكتفي المؤسسات بتقويم أداء العاملين فيها مع نهاية العام. بل يقوم العاملون أيضا بتقويم أداء رئيسهم. إذن فالتقويم لا يأتي أحادي الجانب، حيث أن الأداء لا ينحصر في المرؤوس فقط. ورداءة الرئيس علامة خطر قاتلة للتطور ومفرخة للفساد. في دول العالم المتقدم، في أميركا مثلا، واحد من كل ثلاثة موظفين يشعر أن رئيسه غير كفء. وضمن إحصائية، %17 فقط يعتقدون أن رئيسهم «كفء نوعا ما!». وهناك استفتاء أجري على موظفين أميركيين منتصف العام الماضي. كان سؤالا لا أكثر: كيف تقوم أداء رئيسك؟ وجاءت نتيجة الاستفتاء بأن نحو %50 منهم يرون أن رئيسهم بين غير كفء، أو غير كفء نوعا ما، أو بين بين. لم يكن هذا الاستفتاء صادما جدا للقائمين على الاستفتاء. هذا في دولة متقدمة. أما في بلداننا فأزعم أنه يتجاوز ذلك بكثير. عفوا: أعني بكثير جدا!. خاصة حين نضع الرئيس على مقعد الرئاسة كإله مقدس، وننسى أنه قابل للنقد والتقويم أو المراقبة الدقيقة. ولا ينبغي أن نستغرب إذا أجرينا مسحا عاما في المملكة وخرجنا بنتائج مؤسفة، فثقافة العمل في كثير من القطاعات تشتكي المرض. وهنا أشير إلى فرضية الاختصاصي النفسي الكندي لورينس ج. بيتر التي استحدثها وعرفت باسمه. هذه الفرضية تقول «كل موظف في الهرم الوظيفي يُرقّى حتى يصل إلى مستوى تنعدم لديه الكفاءة». وقد أحدث كتاب «فرضية بيتر» الذي أصدره كل من «د.بيتر» و»ريموند هال» عام 1969، صدى واسعا، نظرا لعمق الفرضية في الفكر الإداري. وبحثه هذا يعرض الأسس السليمة لوضع التسلسل الهرمي الوظيفي. وترى الفرضية أنه تتم ترقية الأفراد في الهرم الوظيفي ممن يعملون بكفاءة عالية، إلا أنهم لاحقا يُرَقّون إلى مركز وظيفي لا يستطيعون فيه تحقيق الكفاءة نفسها، خاصة مع ظهور مهمات جديدة تماما ليس لها علاقة بمهاراتهم، ويعرف ذلك ب»مستوى عدم كفاءة الأفراد». بطبيعة الحال، كل فرد له مهارات معينة لا تتناسب مع أي منصب. أي لا يمكن لشخص واحد أن يكون دائما «الجوكر». والنتيجة الخطرة التي توصل إليها بيتر تعتقد أنه «سيأتي الوقت الذي يكون فيه كل منصب وظيفي مشغول بمن لا تتوفر لديه الكفاءة لتنفيذ الواجبات التي يقتضيها هذا المنصب». هذا يعني بلا ريب انهيار أداء المؤسسة. فماذا لو استمرت المؤسسة فقط في لعبة تغيير أو تثوير مواقع الرؤساء والمسؤولين سنويا تماما كرقعة الشطرنج؟. يا إلهي! اطلعت مؤخرا على بحث عجيب مختزل لمجموعة باحثين إيطاليين «أليساندرو بلوتشينو، و أندريا رابيساردا، و سيساري غاروفالو»، وهو عبارة عن مراجعة لفرضية بيتر بطريقة علمية حسابية من خلال الإحصائيات ودراسة سلوك الجماعات في بيئة العمل. إلا أنهم بعد ذلك، خلصوا إلى حلول غاية في السذاجة. وقالوا إنه إذا كانت فرضية بيتر صحيحة، فإن الحل الحسابي هو حث المؤسسات «الهرمية» تحديدا على الترقيات العشوائية دون النظر إلى كفاءة الرئيس!. وقد حصل هؤلاء على جائزة نوبل الساخرة Ig Noble Prize وهي محاكاة تهكمية لجائزة نوبل الأصل. وترصد للأبحاث العجيبة التي تثير السخرية وتبعث على التفكير! اختيار الرئيس الكفء وتطويره شأنه شأن العاملين ينعكس على القطاع الذي يعكس صورة للبلد ودورها العالمي. الشركات العالمية الناجحة تعتمد مبدأ ألا يُرَقَّى الموظف لرئاسة فريق قبل التأكد تماما من صلاحيته للرئاسة، وذلك في دراسة مختلف النواحي وليس سيرته الذاتية فحسب، فالسير نوع من أنواع «الدعاية»، ليس إلا! ورحم الله غازي القصيبي الذي قال في كتابه «حياة في الإدارة» «اختيار المساعدين الأكفاء نصف المشكلة، والنصف الآخر هو القدرة على التعامل معهم. الرئيس الذي يريد مساعدا قوي الشخصية عليه أن يتحمل متاعب العمل مع هذه الشخصية القوية. من طبيعة الأمور أن يكون الشخص الموهوب النزيه الذكي معتدا بنفسه وقدراته، وألا يتردد قبل إبداء رأيه الصريح في أي موضوع، بخلاف المساعدين الفاسدين الإمعات». هل نسقط أيضا كل ما قلنا على رؤساء الدول ووزرائها ومسؤوليها الحكوميين مع شعوبها؟ لم أقل شيئا.