"الشقردية يطالبون برأس "الإغريقي"؛ عنوان صحفي نشر على إحدى صفحات إعلامنا الرياضي، وبالخط العريض، وتم اختيار هذا العنوان العنيف - حسبما أرى - للبرهنة على قوة التنافس بين فريقي كرة قدم؛ فأي مبرر يمكنه اقناعنا بأن مثل هذه العناوين المفرطة في العنف لا تترك أثرا سلبيا.. تحريضيا على جمهور المتلقين!، وأنّى لنا أن نقبل "المانشيت" الإيراني، الذي أراه وظف سياسيا قبل أن يكون عنوانا رياضيا فقط، حيث نشرت صحيفة إيرانية قبل مباراة الهلال السعودي مع أحد الفرق الإيرانية مانشيت: "ذبح الهلال حلال"، فهل بوسعنا فعليا عدّ كل هذه العناوين الصاخبة عنفا مجرد دعابات رياضية تخلق جوا من التنافس البريء!؛ لا يمكن ذلك بأي حال من الأحوال، إذا ما استوعبنا القدرة التي يلعبها الإعلام ومدى خطورتها. أنا ككاتب لا أحمّل الأمور أكثر مما تحتمل، بل أبني ما أقوله عن هذه الظاهرة على نظريات علمية اشتغلت على نظرية التأثير الإعلامي على الجماهير، وأكدت على "أن وسائل الإعلام - حتى الرياضية منها- تتمتع بدرجة قوية من التأثير على جماهيرها، سواء في الاعتقاد والاتجاهات والآراء، أو في تكوين سلوك وتصرفات الجماهير"، وتزداد تلك الحقيقة العلمية رسوخا بقياس تنوع أعمار الجمهور المتلقي من جهة، وبتعدد مرجعياتهم الثقافية ومستويات وعيهم من جهة ثانية؛ وهذا يتبعه اختلاف قدراتهم على تأويل مضمون الرسالة؛ ولا أظن أن صغيرا في السن سيعتبر المطالبة برأس مدرب فريقه المنافس، أو المطالبة بذبح ذلك الفريق مجرد مزحة لطيفة وعابرة؛ أو هي إثارة من أجل تنافس أقوى، كونه سيفسرها بوصفها حربا ضروسا فيها ذابح ومذبوح؛ قاتل ومقتول؛ كاسر ومكسور، ناحر ومنحور، ... وهكذا. خلال بحثي عن مستوى هذه الظاهرة في الصفحات الرياضية المختلفة، الإعلام صدمني.. بل أرهبني ما لاحظته، ويكفي أن أقول للتعبير عن مدى هذه الظاهرة إنها تجاوزت الظاهرة إلى مستوى العادة، حيث لا تكاد تخلو صفحة رياضية عربية من "كسر عظم" "وذبح" "ومعركة" "وحرب شعواء" و"انتقام" و"ومذبحة" و... إلخ، وهنا نستدعي سؤالا للإعلامي الرياضي قاطبة: هل الابتكار في خلق حالة حماس رياضي لا يكون إلا بمثل هذه العناوين المحرضة على العنف والتعصب؟؛ ألا توجد طرائق جديدة ومبتكرة وموضوعية لدى إعلامنا الرياضي للتسويق لنفسه؟؛ ثم أين الرقابة من هذا الضجيج المحرض؟؛ قتل وحرب ونحر وجزارة وخنق وثأر من أجل مباراة كرة قدم؛ قصر في تسويقها الوعي الإعلامي والوعي المجتمعي أيضا؛ فباتت مسوغا لجر الشباب إلى حالة من التعصب المميت؛ الذي ظهرت بوادره جلية على فضاءات «تويتر» و«فيس بوك» و«يوتيوب» و«سناب شات»؛ وفي فضاءات الملاعب، والمقاهي الشبابية، وبتغذية يومية من الإعلام الرياضي الرسمي بكل حسرة وأسف. في ظل هذا العنف الذي يعيشه العالم، والعناصر الإرهابية التي باتت تهدد الحياة والسلام، وتزرع الحقد بين المجتمعات الإنسانية لا يتوجب علينا الاستهانة مطلقا بأثر عنوان رياضي محرض، أو التعامل مع "مانشيت" دموي بكونه حالة عادية جدا تبعث على جذب الجماهير وتحريك ميولاتهم من أجل تشجيع فرقهم، فنحن جميعا على مقربة من الحالات الإرهابية الشبابية التي صدمتنا بانخراطها في هذا الطريق المظلم، لنكتشف لاحقا أن اللعبة الإعلامية وقنوات التواصل الاجتماعي بحسب التقارير والإحصاءات كانت المورط الأول لها، وهنا تأخذ المسألة بُعدا جديدا من الضرورة أن يتنبه إعلامنا الرياضي إليه قبل أن يصل التلاسن بين الجماهير إلى مراحل أبعد، وأخطر، وبمباركة من الإعلام الرياضي في جانبه التحريضي!!