بدأت الاعترافات والتحقيقات في تونس تكشف شيئا فشيئا عن مخطط «داعش» وخلفيات مهاجمة مدينة بن قردان الحدودية ليتضح أن الهجوم حمل عدة أهداف أولها تنفيذ هجوم انتقامي من العملية العسكرية والضربة الجوية التي قامت بها القوات الامريكية على ما يسمى «دار الضيافة» في مدينة مصراطة الليبية وهو عبارة عن منزل يستقبل الوافدين الجدد للدواعش في ليبيا ليتم في ما بعد ارسالهم الى مجموعاتهم وهي الضربة التي قصمت ظهر التنظيم مرحليا وهو ما اكده الإرهابي «أ. السعيدي» الذي ألقي القبض عليه من قبل وحدات الحرس الوطني إلى جانب الوحدات العسكرية، الذي قال إن زوجته وابنه البالغ من العمر 3 سنوات قتلا في صبراطة في الغارة الأمريكية مبيناً انه جاء كي ينتقم، وقالت الجهات الأمنية إن السعيدي وهو من مدينة سيدي بوزيد انهار باكيا وقال حرفيا «خدعونا وفتحوا لنا في الجنة ذراعا»، مشيرا إلى وعود التنظيم لمقاتليه بدخول الجنة. اما الهدف الثاني للهجوم فاتضح من هاتف نقال عثر عليه في أحد المنازل التي كانت تحت الحصار بالقرب من المعهد الثانوي في بن قردان، ووجدت على الهاتف عدة معلومات سرية خطيرة وخرائط وأسماء ومخططات إلى جانب صور، وقال مصدر أمني إنه تمّ تحطيم الهاتف الجوال من قبل العناصر الإرهابية حتى لا يتمّ اكتشاف محتواه لكن الوحدات الأمنية توصلت إلى كثير من المعطيات الهامة عن المخطط الكامل ل «الإمارة الإسلامية» في بن قردان والتي كانت تحمل اسم «الرقة 2». وكان مخطط «الرقة 2» يستهدف أساسا وحسب اعترافات الارهابيين تصفية أبرز رجال العائلات الكبرى في بن قردان التي رفضتهم وتصدّت لهم وذلك لغاية إخافة هذه العائلات وإخضاعها وإرباكها، كما استهدفوا تصفية أبرز القيادات الأمنية، وهو الامر الذي اكده شهود عيان لصحيفة «اليوم» إذ كان الارهابي المطلوب تونسيا «مفتاح مانيطة» قبل مقتله وأبان الهجوم يصرخ قائلاً «أريد رأس بن عبدالكبير» وهو قائد مكافحة الإرهاب في بن قردان وابن بارز لأحد أكبر اسر المنطقة «بني عبدالكبير». كما أن الدواعش رفعوا رايتهم خلال الهجوم فوق مبنى المعتمدية وهو المبنى الذي يمثل الجهاز التنفيذي للدولة واستهدفوا اقتحام ثكنتي الحرس والجيش، كما تحركت عناصر منهم لفتح نقطة العبور مع ليبيا لإدخال بقية عناصرهم إلى تونس من ليبيا، غير أن سرعة التصدي لهم وحرفية الاجهزة الامنية والعسكرية أحبطت مخطط «الرقة 2». وفيما تبدو هذه الأهداف واضحة برزت عدة اسئلة على السطح أهمها أسباب تحرك التنظيم باتجاه يعاكس كل ما عرف عنه ضمن خطط توسعة الاستراتيجية، فمقاتلو داعش حاولوا دخول تونس من «الزاوية الضيقة» حيث إن بن قرادن الواقعة داخل ولاية مدنين تمتلك حدودا يصل طولها إلى 168 كلم مع ليبيا بينما تملك ولاية تطاوين حدودا تمتد لمسافة 291 كلم مع ليبيا، كما أن البترول التونسي يتواجد في ولاية تطاوين ومن المعروف أن التنظيم يلجأ دائما وأبدا إلى السيطرة على ما أمكنه من حقول النفط باعتبارها مصدر دخل موثوقا ومستمرا. وعن هذا اللبس قال «وائل النفطي» القاطن بمدينة تطاوين في تصريح لصحيفة «اليوم» إن أهل المدينة يرون في هجوم بن قردان كان تضليلا متعمدا من داعش لصرف النظر عن حدودهم الطويلة مع ليبيا وتركيز التواجد الأمني قرب بن قردان ثم محاولة مهاجمة مدينتهم التي تحتوي على أكبر نسبة من مخزون آبار النفط في تونس، مشددا أن أهالي المدينة مستعدون لهذا الاحتمال وجاهزون للمواجهة. من جهة أخرى قال مصطفى عبدالكبير الناشط الحقوقي والمختص في الشأن الليبي وابن أحد أكبر عشائر بن قردان في تصريح لصحيفة «اليوم» إنه اجرى لقاء مع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي حيث تلقى منه وعودا للقيام بعدة إجراءات سريعة لدعم وتدوير مدينة بن قرادن في ولاية مدنين، وأضاف أنه أطلع الرئيس التونسي على كل المستجدات بالمنطقة خاصة الاجتماعي منها وحال الجالية التونسية العالقة بليبيا بسبب الحرب. وحول إمكانية مهاجمة داعش لتونس مرة أخرى قال مصطفى عبدالكبير إن هجوم بن قردان جاء ردا على وقوف اهالي المدينة يدا واحدة ضد الارهاب وباروناته وكان مصيره الفشل بفضل جهوزية المؤسسة العسكرية والأمنية دون إغفال الدور الكبير في المواجهات التي قام بها اهالي المدينة أنفسهم، وتابع «هذا لا يعني أننا ربحنا حربنا ضد الارهاب فقد اثبت التاريخ ان الدواعش ملة الغدر والخيانة»، وأضاف أن عناصر التنظيم محاصرون كالجرذان الآن في ليبيا مما يزيد من احتمال محاولتهم شن هجمات لذا فالأعين مفتوحة والأصابع قابضة على الزناد تحسبا لهجوم قد يأتي على بن قردان أو عبر معبر الذهيبة قرب مدينة تطاوينجنوب شرق تونس الشريط الحدودي التونسي الليبي.