في بعض الأحيان يراودني الشك أن لدينا تخطيطا واستشرافا للمستقبل على مستوى الوزارات والهيئات وفروعها في مناطق المملكة، وأنها تعمل بالتزامن والتوازي مع الخطة الرئيسية للدولة، فالتخطيط في مفهومه الإداري البسيط هو ماذا يجب؟ ومن يقوم به؟ وأين ومتى وكيف؟ أي ببساطة التخطيط هو التوقع للمستقبل، ووضع الخطط والأهداف، وتحديد السبل اللازمة والكفيلة لتحقيق النجاح، وما هي البدائل الجيدة في حال الفشل؟ إذ من خلاله تحدد طرق سير الأمور التي سيقوم بها الأفراد والجماعات متمثلين في الإدارات، حسب الخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. أكبر عائق للتخطيط وعرقلة التنمية في المجتمعات هو الفساد، وفي رأيي ستظل ظاهرة الفساد باقية ما بقيت المركزية والمحسوبية والبيروقراطية المفرطة سائدة في التوظيف والترقيات والدورات التدريبية، وإسناد وإرساء المشاريع أمام ضعف أجهزة الرقابة والمتابعة والمحاسبة، بالإضافة إلى تخلف الإجراءات الإدارية، وعدم مواكبتها للعصر الحديث (التقنية الحديثة) وحاجات المجتمع، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب أي الوظيفة الملائمة لشهاداته وخبراته. إنَّ تنامي ظاهرة الفساد في بلادنا، يستدعي من الدولة البحث عن أسباب لجوء أولئك الفاسدين إلى هذا السلوك غير السوي، كما يستدعي محاسبتهم، ومن ثم التشهير بمن تثبت إدانته، مهما كانت منزلته الاجتماعية أو العلمية أو الوظيفية. وأضيف إلى تلك الخطوات -من واقع الخبرة العملية- ضرورة التدوير الوظيفي، بوصفه أسلوبا حديثا يقضي على الفساد، ويحد من تفشي شبكات الفساد في المنظمة. الفساد ظاهرة اجتماعية، ترتبط بمحاولة الفرد الاستئثار ب أو الاستفادة من "الصالح العام" - بطرق سرية وغير متاحة للجميع، وتحويله إلى مصلحة خاصة، وهو ظاهرة خطيرة من أخطر الظواهر في المجتمعات، يصنعه المسؤول بحبه لنفسه وحبه لذاته ونزعته لحب السلطة والمال، وهو مرض يسهل تفشيه ويصعب القضاء عليه؛ إذا غُيّبت القوانين وعُطّلت المحاسبة والمتابعة. الفساد الإداري والمالي مرض خطير يجب استئصاله؛ حتى لا تتوارثه الأجيال القادمة. يمكن للفساد أن يؤثر على المجتمع بالسلب، كما يمكن للجميع تخيل هذا التأثير أو رؤيته على أرض الواقع. ما هي أسباب الفساد في مجتمعنا، وما هو التصور الأخلاقي تجاهه؟ مجتمعنا في مجالسه الخاصة يتحدث عن الفساد لدرجة أنه صار أمرا معتادا، والصحف تنشر أخباره ورسوم الكاريكاتير المعبرة والتي تسخر من جهلنا بماهيته، والناس كل واحد منهم لديه قصة يحكيها، ولديه دائماً مبرر أخلاقي، هذا المبرر هو "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، والمال السايب يعلم السرقة"!. وهناك نوع من الفساد وهو المنتشر بكثرة مثل الزئبق، يستطيع الجميع رؤيته لكن لا أحد يستطيع أن يمسك به؛ لأنه على الورق الرسمي كل الإجراءات نظامية، ولكن كل اللعب من تحت الطاولة؟! وكل منا لديه سؤال.. كيف نقضي على الفساد الذي عرقل تنمية البلاد وأفشل معظم مشاريعها؟! وما هي طبيعة الفساد في مجتمعنا؟! وما الذي يفتقر إليه مجتمعنا من الناحية الإدارية والتشريعية والذي يجعل خصائص ظاهرة الفساد المذكورة أعلاه متحققة؟! أسباب أفضت للانحراف بالوظيفة العامة لخدمة المصلحة الخاصة بدل المصلحة العامة. وللحد من الفساد الإداري والمالي في الوظيفة العامة أقترح أن يقدم شاغل الوظيفة العامة إقرار ذمة مالية وإقرار عدم إمكان تضارب المصالح، وهذه الأخيرة تعني ألا يكون المشرّع هو نفسه التاجر أو المقاول الذي له مصالح في سوق العمل أو في المنظمة المسؤول عنها، كما يفترض أن يعيش المجتمع (ويكون هذا جزءا من الشعور العام لدى الأفراد) في ظل "سيادة القانون". وآخر الاقتراحات هو أن تكون الوظيفة العامة متداولة، وتخضع للتقاليد المنظمة وللتعريف الأخلاقي والقانوني المتفق عليه لمعنى "المصلحة العامة" التي أضحى الكل يفسرها على هواه.