ما من يوم يمر إلا ونُصدم (بمانشتات) صحفنا في صفحاتها الأولى والمحليات، بما يؤكد لنا تفاقم حالات الفساد، بالكشف عن مفسدين ومتورطين في حالات فساد إداري، حول مشاريع تم تنفيذها دون المواصفات، وأخرى مُبَالغٌ في تقديرات نفقات إنجازها، وأخبار عن سحب الصلاحية من قياديين في جهات حكومية تلاعبوا في ترسية عقود مشاريع حيوية أو تنموية، أو تبين للجان متخصصة في تحقيقات الكشف عن الفساد، وجود مشاريع على الورق، وأخرى اكتشاف الاختلاف الكبير بين ما تم الرفع عن تقديرات ميزانيته والمعتمد من قبل الدولة، وما تمت ترسيته على الشركات المنفذة. واعترافات من موظفين بالتلاعب بمستندات مناقصات المشاريع، إضافة إلى اعترافات عدد من القياديين في جهات حكومية خدمية وقضائية وتنفيذية، في قضايا رشوة وإثراء غير مشروع. ذلك غيض من فيض. تختلف مفاهيم الفساد الإداري من أمة لأخرى، فالفساد في دول العالم الثالث، ظاهرة لها وجوه متعددة، ذات أبعاد اجتماعية خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع في كل أمة من الأمم، ومن أهم الأسباب التي تؤدي لانتشار الفساد الإداري، من وجهة نظر المراقبين للأداء الوظيفي والمتخصصين في علم الإدارة، التقصير والخلل في أنظمة المراقبة العامة والرقابة الإدارية، كذلك التراخي في تطبيق الأنظمة والقواعد، وضعف الوازع الديني لدى الموظفين، ففي الوقت الذي تزداد فيه ضغوط الحياة، وغلاء المعيشة وحب المال والإثراء السريع، يضعف بعض القائمين على مصالح الناس والصالح العام من الموظفين والقياديين، أمام ما يقدم لهم من رشاوى وإغراءات مالية لتجاوز الأنظمة وخرق القوانين، والتعدي على حقوق الآخرين. لذلك يرجح الخبراء والمختصون العوامل الاقتصادية كدافع قوي في تفاقم ظاهرة الفساد الإداري وتفشيها في المجتمع في الوقت الحاضر، وفي ملفات ديوان المظالم وديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وأجهزة المباحث الإدارية وشعبة التزييف والتزوير، كثير من القضايا، التي اكتشفتها لجان تقصي الحقائق والمباحث الإدارية، وتبين لهم تفاقم حجم ظاهرة الفساد بصورة مفزعة ومؤلمة في بلادنا، فقد أضحى ملف الفساد، كما تبين لهم، من أخطر الملفات التي تهدد اقتصاد الدولة ويهدد مسيرتها التنموية، ومن المؤسف أن الفساد صار حديث الصغار والكبار، ولا سيما عبر المواقع الإلكترونية وواتساب، ويراه الناس وحشاً كاسراً يأكل الأخضر واليابس، وما لبث أن صارحملاً مألوفاً في حياتنا لا يعيبه أحد ولا يستنكره ولا يستهجنه إنسان، ولا يرعاه غير قانون مجحف يعد قسطاطاً شمولياً غير مستقيم لتحقيق العدالة الاجتماعية، يستقيم مع قوله صلى الله عليه وسلم (.. كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، الخطر الأكبر حقاً، ألا نرى ما الذي يتهددنا، وقد أفسد المفسدون الأرض بعد إصلاحها، وأضروا بمصالح البلاد والعباد، بفساد تفاقم وتضخم ولا نجد مَنْ يعالجه بحزم وجدية. لا يكفي الكشف عن حالات الفساد ووضع أيدينا على جرائم المفسدين، إذ لابد من المحاسبة واستئصال الفساد من جذوره. عصر العولمة الذي نعيشه يجعل من الفساد ظاهرة عالمية، يتورط فيها الأفراد والقيادات وذوو النفوذ، ونحن لا نحتاج إلا إلى إعادة تأسيس قيمنا الأخلاقية وفق معايير دينية وأخلاقية، فالذين أفلحوا من عباد الله في عملهم، هم الذين لأمانتهم وعهدهم راعون ومخلصون.