في استبيان حول المهن المقدرة والأكثر احتراما بالولايات المتحدة قبل عدة سنوات، اختار الأمريكيون الإطفائي أو رجل الدفاع المدني في الصدارة بوصفه صاحب أكثر مهنة تحظى باحترامهم، وذلك تقديرا لدوره الفدائي في حمايتهم من النيران التي يخترقها من أجل سلامتهم، وتلك صورة إنسانية جديرة بالاحترام دون شك، ولا يتوقف الأمر على ذلك فإن جهود الدفاع المدني الوقائية تعزز وسائل السلامة في حياتنا خاصة وأن مسببات ومصادر الحرائق متعددة، كما أن هناك كثيرا من المشكلات الأخرى التي يتعامل معها رجال الدفاع المدني في إطار السلامة العامة، غير أن إطفاء الحرائق هو عملهم الأبرز والأكثر لفتا للأنظار. توقفت أخيرا مع فعالية المعرض الذي نظمه الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية بمناسبة اليوم العالمي للدفاع المدني بعنوان "الإعلام وقاية"، والذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، ويحتوي أكثر من 39 ركنا لعدد من الجهات وتشارك جهات أكاديمية بدراسات واختراعات وابتكارات، وذلك يرفع من مستوى الحدث ويثريه بتطورات وسائل السلامة. ولعل اللافت الذي أثار اهتمامي وحفزني لتناوله هو تخصيص فعاليات بالمعرض موجهة للطفل عبر المسرح التفاعلي عن وسائل السلامة، ومسابقات وهدايا تحفيزية، ومحطة الإطفائي الصغير، وقرية الألعاب الآمنة، وركن للقصة القصيرة بهدف زيادة الوعي، وهذا هو الدور الوقائي الذي يغرس في عقول الأجيال مبادئ ومرتكزات السلامة التي يبحث عنها الدفاع المدني، فتعليم الصغار أنظمة السلامة من الأهمية بما يختصر مشوارا طويلا أمام هذه الإدارة، لأن الوقاية خير من العلاج، وهي، أي تلك الوقاية، تبدأ من شيوع الوعي في الوسط الاجتماعي بكل قواعد السلامة التي يسهم من خلالها كل مواطن بالحذر وتجنب التعرض لأي مهددات لأمنه الشخصي في منزله أو عمله أو في الأماكن العامة. ارتباط الصغار بمطلوبات الدفاع المدني يعني تحقق وعي ضروري ومهم من أجل تيسير كل الأعمال الفنية للدفاع المدني وتخفيف الضغط عنه، لأنه كلما ارتفع الوعي قلت المخاطر تلقائيا وأصبحت السلامة مبدأ أصيلا في سلوك الجميع، بدءا من الصغار الذين يتسببون في اختراق منظومة السلامة انتهاء بالكبار الذين يجب أن يحرصوا بدورهم على كل ما من شأنه أن يحفظ ممتلكاتهم وأبناءهم ومنازلهم من الأخطار التي تستدعي الحاجة للدفاع المدني. ولعل من المناسب إعلاء قيمة دور الدفاع المدني وتدعيم الوعي الاجتماعي بأدواره من خلال إدراج أساليب السلامة في المناهج الدراسية حتى يتلقى طلاب المرحلة الابتدائية الإرشادات والموجهات اللازمة لتعزيز السلامة العامة في تصرفاتهم وسلوكياتهم وتطوير المهارات التي تتعامل مع الحوادث، كما أن ذلك أدعى لنشر المنهج الوقائي من الأخطار التي تخترق الأمن والسلامة المجتمعية، فهي مسؤولية جماعية ويجب أن ينظر اليها على هذا الأساس، وليست حكرا على رجال الدفاع المدني، لذلك أرى أن الانتقال بنظم الدفاع المدني الى المناهج التعليمية خطوة يتطلبها إيقاع العصر وتعليم الناشئة مهارات تجعلهم أكثر دراية ومعرفة بمطلوبات السلامة ومهيئين للتعامل مع الطوارئ بصورة أكثر نضجا وفاعلية، وروح عملية في التعامل مع أي تطورات سلبية تلحق بمبدأ السلامة.