العلاقة بين الموت وتنظيم "داعش" قوامها وحي شيطاني عميق، فمجرد استرخاص الأرواح وإزهاقها وإراقة الدماء واستباحة الأنفس بمبررات تتضاد وتتعارض مع مقتضيات الدين والإنسانية كفيل بتكييف مثل هذا الفكر كإنتاج شيطاني لا يمكن أن يستقيم مع العقل، والفطرة ترفض ابتداء قتل النفس بدم بارد كما يفعل أعضاء التنظيم الذين يتعرضون لتضليل ذهني وتشويه ديني كبير. الجندي في قوات الطوارئ الخاصة بدر حمدي الرشيدي انتقل الى جوار ربه بفعل إجرامي كارثي ومأساوي على يدي بني عمومته، وبداهة ينطوي القتل على غدر بائن لأنه اطمأن إليهم فيما هم يحملون ويضمرون أفكارا شريرة تكفره وتكفر كل من خالفهم وتنتهي بجميع من عاداهم الى هذه النهايات الغادرة التي يزعمون أنها تصل بهم الى غاية إيمانية أرفع عبر القتل والدم. التكفير فكر متطرف وإقصائي، يفترض معه من يكفر الآخرين أنه في سلامة تامة في دينه وعقله ونفسه، وذلك أحد الأخطاء الأساسية في بنية التطرف والمتطرفين، ودون أن نخوض في جدل فقهي حول التكفير والتطرف، فإن البقاء في الحد الأدنى للروح الإنسانية يمنحنا رؤية أكثر شمولا لاستيعاب الأخطاء المنهجية في سلوك المتطرفين؛ لأن الدين في الأساس لا يتعارض مع النزعة الإنسانية الفطرية، وهو إنما جاء ليتمم مكارم أخلاق، بمعنى أن هناك تأسيسا مسبقا لبنية النفس والعقل لم ينكرها الدين أو يرفضها وإنما عمل على إتمامها، لذلك فإن ما يأتي به هؤلاء هو عين النقص الديني والإنساني والنفسي. تلك المشاهد الدموية التي أصبحت تتكرر مع جرائم التطرف والتنظيمات المتطرفة، تتطلب مراجعة سلوكية حقيقية لمتغيرات التدين لدى الشباب؛ لأنهم أصبحوا بارعين للغاية في إخفاء نياتهم الخبيثة التي تصل في منتهاها الى حالات من الغدر الفاضح والقاتل، رغم أن الدين لا غدر فيه، ولكنهم يفعلون كوسيلة لتحقيق منهجهم الفكري المنحرف، ولعل السيئ في الأمر أن مثل هذه السلوكيات ستعمل على إشاعة نوع من عدم الثقة في الوسط الاجتماعي، فالمتطرف بما لديه من نيات غادرة من الصعب معرفته، ويترتب على ذلك شكوك في كل شاب يفكر دينيا ولو بحد أدنى، وحين يصل المجتمع الى قدر قائم على حالة من عدم اليقين والالتباس وفقدان الثقة المجتمعية ينجح حينها المتطرفون في التغلغل والتسرب الى الشياه القاصية كذئاب تصاد فرائسها، فهم لا يعملون إلا في الظلام أو في أجواء من الفوضى، لذلك من الضروري إعادة النظر في الوسائل الفكرية للمكافحة حتى لا يسقط آخرون غدرا وغيلة.