لن تجد شبيها للقيادة السعودية في حنكتها وحكمتها السياسية، ولن تجد من يوازيها في سعة أفقها وحلمها وطول صبرها، وتحملها استفزازات خصومها ومماحكتهم الرخيصة، فقادة المملكة جبلوا على طبيعة لا تحبذ التأزيم وتصعيد المواقف ضد أحد، ولا ينجرون خلف المغامرات والتهورات السياسية والعسكرية، فخبرتهم السياسية ودبلوماسيتهم الهادئة، تجعلهم يميلون للتهدئة وينتهجون اسلوب الاحتواء، فدائما ما يجنحون للسلم ويفضلون لغة الحوار، ولا يلوحون (بمحراك الكي) كآخر علاج، إلا في أضيق الحدود وأحلك الظروف، فلا يمكن أن يستمر ضبط النفس ويبقى الصبر مفتوحا بلا حدود، وهناك تماس للخطوط الحمراء، وممارسات عدائية أخذت منحى غير مقبول، تضررت بتراكماته المتناقضة مصالح المملكة وتعرض كيانها للخطر، ليخرج في الوقت المناسب سيد الحزم والعزم، ليقف بكل صلابة أمام المتجاوزين، ويبتر الذراع الطائفية التي امتدت للعبث بكيان الأمة!! المملكة منذ تأسيسها وهي والبذل والعطاء متلازمان، ومد يد العون ومساعدة الكثير من الجهات العربية والإسلامية والدولية، بعض من سماتها تمليه عليها مبادئها الخيرية واخلاقياتها الانسانية النبيلة، حتى لقبت بمملكة الإنسانية، وحازت عام 2008م المركز الأول في المساعدات الإنسانية، فالمملكة لا تُميز في عطائها بين لون ولا جنس ولا عرق ولا معتقد، وليس لها أجندة سياسية ولا مذهبية، لتوظف الهبات والمساعدات، لخدمة مشاريع طائفية أو مصلحة سياسية ضيقة، فما زلنا نتذكر كمثال واحد هبة المملكة المقدرة ب50 مليون دولار، لنجدة (هاييتي) التي دمرها الزلزال، وهي الدولة التي لا يربطنا بها علاقة سياسية ولا دينية ولا ثقافية، فالمملكة تبذل بسخاء وما تقدمه أياديها البيضاء لا تتبعه منّا ولا أذي، ولا تنتظر مقابله جزاء ولا شكورا، ولا تغضب إن قوبل معروفها ومساعداتها بالجحود، فليس بالجديد ولا المستغرب، لو سمعت يوما جحودا من جهة ما لمعروف المملكة ووقفاتها الإنسانية، فالمملكة اعتادت على مثل هذه التصرفات من اصحاب الأهواء والولاءات المتغيرة، وفي المقابل لم يسبق للمملكة ان عاقبت بالمنع والمقاطعة لمن يقابل عطائها بنكران وإجحاف، فالمملكة لم تثأر وتنتقم لنفسها عندما أوقفت مساعداتها للبنان، المقدرة ب 3 مليارات دولار امريكي لتسليح الجيش اللبناني، ومليار دولار مخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، الا بعدما عانت المملكة من مواقف لبنان المخجلة والسلبية الأخيرة، وهي ترى سيطرة عصابة طائفية على سيادة لبنان، التي تأتمر بتعليمات ملالي إيران، وقد صادرت إرادته واختطفت إعلامه وقراراته وسياسته الخارجية، ووظفها حزب إيران من على المنابر الاقليمية والدولية ضد المملكة، لتخرج لبنان بالكلية عن الإجماع العربي، فكان لابد من قرار حاسم وشجاع يوقف الممارسات العبثية اللبنانية، ويجبر لبنان على تحديد موقعه من الخريطة العربية!! سيبقى موقف المملكة من الشعب اللبناني الشقيق، كما أعلنته رسميا (بأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني)، ولا شك أن الشعب اللبناني هو وحده من سيتحمل تبعات سياسات حكومته وتبعيتها لإيران، ورغم ذلك فالمملكة ستبقى بجانب شعب لبنان وستتم ما بدأته من مكارم، ولن تندم على جهودها السياسية والدبلوماسية ودفعها عشرات المليارات، لأجل أن يقف لبنان على قدمية بعد نزيف الدماء والدمار، ولن ينسى اللبنانيون الشرفاء (اتفاق الطائف) برعاية سعودية، الذي انتشل بلدهم من حضيض الحروب والتشرذم وضياع الدولة، ووضع لهم أول لبنات السلم الأهلي وقواعد الدولة الحديثة، وعاد الفرقاء والمتناحرون للعمل السياسي، وبناء مؤسسات الوطن تحت قبة الدولة الجديدة، وعاد لبنان وطنا مستقلا ينعم بأمنه واستقراره ونماء اقتصاده!!