تتسم العلاقات التركية- الروسية بالعداء المستحكم منذ كان الأتراك الأوائل في موطنهم الاصلي في آسيا الوسطى بين الهند والصين وسيبريا، وقبل نزوحهم شرقاً للأناضول ويمكن القول ان قرونا طويلة تمثل الصراع الازلي بين الدب الروسي والذئب التركي، فبين الأتراك و«الذئب» علاقة وجودية ووجدانية فالذئبة الرمادية هي أم الأتراك «الحقيقية أو الروحية» حسب أشهر الاساطير والتى تحكي قصة المحافظة على العرق التركي من الفناء بعد أن كاد ينقرض، حين كان الأتراك يستقرون غرب بحرٍ الآرال، وقد هزموا على يد جيش اعدائهم من احدى قبائل جنوبروسيا والذين قاموا بقتل الأتراك ولم يتركوا احداً إلا وأعملوا به السيف، ولم ينج من تلك المذبحة سوى فتى في العاشرة من عمره، لم يقتله الجند لأنهم أرادوا أن يذيقوا «التركي الأخير» أبشع أنواع العذاب قبل أن يموت، فقاموا بتقطيع ذراعيه وساقيه ورموه في أحد المستنقعات. وجدت ذئبة رمادية الفتى «جد الاتراك» فحملته بأنيابها إلى إحدى المغارات في جبال الآلتاي حيث البرد القارس والمرتفعات العالية والتي يصعب الوصول إليها، وكان هنالك سهلٌ فسيح داخل تلك المغارة الممتلئة بالأعشاب والمراعي، وكانت حدودها الأربعة موصدة بجبالٍ شاهقة منيعة يصعب تجاوزها، وهناك وفي تلك المغارة بدأت الذئبة بلعق جروح الفتى ثم اصطياد الحيوانات ليتغذى على لحمها، حتى كبر الفتى، ودخل سن البلوغ، وتزوج ليبدأ الأتراك بالتكاثر من جديد. وتأتي الاسطورة الثانية لتروي كيف أن الذئب الرمادي قاد أجداد الأتراك الأوائل المُحاصرين في آسيا الوسطى اثناء نزوحهم الاسطوري إلى سهول الأناضول قبل آلاف السنين. حيث كان الذئب وحده من يعرف الطريق وسط الثلوج والجبال فصار الذئب الرمادي رمزاً قومياً لنشأة بلادهم الأولى، وتؤكد الأسطورة أنه لولا «الذئب الرمادي» لكانت سلالة الأتراك قد ضاعت في الثلوج.. مثل فتح القسطنطنية من قبل العثمانيين في 29 مايو 1453م إهانة دينية وسياسية لا تُنسى وضربة قاتلة من الذئب التركي للدب الروسي حيث تم الاستيلاء على مقر كنيسة أيا صوفيا وتحويلها إلى مسجد، ومنذ ذلك التاريخ لم ولن ينسى الروس والسلاف هذه الكارثة التاريخية والتى تُمثل سلسلة من الصراع المرير. ظل وفاء الاتراك للذئب راسخاً عبر القرون وبقي شعار الذئب رمزاً لقوتهم ومدهم بالدعم المعنوي وخاصة في الازمات حيث ظل الذئب مصدر إلهام وعامل جمع بين كافة التيارات الفكرية التركية منذ العثمانيين مروراً بجمعية الاتحاد والترقي والذين استعاروا اسم الذئب رمزا لحركتهم السياسية «الذئب الرمادي»، ويشبه الكماليون «أتاتورك» -وهو ذو العينين الرماديتين- بالذئب الرمادي، وهو من تقمص روح الذئب رفضاً لمعاهدة «سيفر» والتى فرضت مؤقتاً على السلطان العثماني في 10 اغسطس 1920 وأجبرته على الاعتراف باستقلال أرمينيا وحصول كردستان على الاستقلال ومنح الروس مزايا مرور في المضائق التركية، ونجح الذئب التركي «أتاتورك» في طرد اليونانيين حلفاء -الدب الروسي- من أراضي تركيا الحالية وفرض تسوية جديدة تحققت له بالفعل في معاهدة «لوزان» 24 يوليو 1923. استمر شعار الذئب الرمادي مُرادفاً للعداء للروس ومناهضاً للمد الشيوعي في تركيا ودليلا على الحرب الدموية ضد حلفاء الدب الروسي «الأرمن» والذين نفذت منظمتهم «آسالا» سلسة اغتيالات استهدفت سفراء ودبلوماسيين أتراكا وكان الرد من حزب الحركة القومية بإعلان تنظيمه الشبابي المسلح ب (الذئاب الرمادية) والذي خاض في فترة السبعينات من القرن العشرين مواجهات دموية كانت موجهة بالاساس للتنظيمات الشيوعية والحركات اليسارية وخاصة من الأكراد والعلويين وضد مناصري مايسمى «مذبحة الأرمن». وللمقال صلة...