كان شهر يناير الماضي من أسوأ الشهور لأسواق المال على مستوى العالم أداء مذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي اندلعت في العام 2008. ويعزى هذا الأداء السيئ للتقلبات الحادة في أسعار الصرف والسلع بالإضافة إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني. ولذلك كان انعكاس التوقعات المتقلبة على أسعار النفط والسلع الأولية ثقيلا جدا، وبالأخص النفط، ما أدى إلى إعلان كبريات الشركات النفطية عن تسجيل خسائر تاريخية غير مسبوقة على مدى العقدين الماضيين. كل هذا التشاؤم يتبلور في ظل أسعار نفط متدنية، من المفترض أن تكون داعما للنشاط الاقتصادي الكلي. ولكن واقع الأسواق يقول إن الذعر الناتج عن أسعار النفط المنخفضة هو سيد الموقف. بدلا من أن تؤدي أسعار النفط المنخفضة إلى انتعاش الاقتصاد والإنتاج وإنفاق المستهلكين، فإنها بالإضافة إلى ضعف التجارة البينية والتدفقات الرأسمالية وارتفاع تكلفة الدولار تتضافر لتعزز المخاوف من ظهور دوامة انكماشية. هذه الدوامة التي سيطرت على مجالس إدارة البنوك المركزية حول العالم، في العام الماضي، والتي بالكاد تمكنت اليابان ودول الاتحاد الأوروبي من تفاديها بفرض معدلات فائدة سلبية، تعود مجددا مع أسعار النفط غير المسبوقة. فمجرد الدخول في دوامة انكماشية يهدد النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة بعد أن تراجعت معدلات النمو في الأسواق الناشئة الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الكساد الاقتصادي الكبير والعقد الياباني الضائع في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. تعرف الدوامة الانكماشية بالانخفاض المستمر في أسعار السلع والخدمات، بحيث يحجم المستهلك النهائي عن الشراء لتوقعه بانخفاض الأسعار مستقبلا. وإلى جانب أسعار النفط المتدنية، فإن العوائد النفطية للدول المصدرة تقع تحت ضغط كبير لدرجة تؤثر على احتياطاتها من النقد الأجنبي. وهي بذلك تحتاج إلى تسييل أصولها المالية لمواجهة العجوزات التي تواجهها في حساباتها الجارية. الأمر الذي سينعكس بالتأكيد على أداء اقتصاد الدول المتقدمة التي ستواجه معدلات أعلى لخروج رؤوس الأموال من اقتصاداتها. وقد بدأت مثل هذه الاتجاهات السلبية في فرض نفسها، فإلى جانب قيام السعودية، المصدر النفطي الأكبر على مستوى العالم، بتسييل أصولها المالية، نجد أن احتياطيات النقد الأجنبي للتنين الصيني في انخفاض مستمر لتتمكن من الحفاظ على سعر صرف متدن لعملتها لتحفيز اقتصادها المتباطئ. ومع عدم تحقيق أي من دول الاقتصاد العالم المتقدمة لمستويات التضخم المستهدفة عند 2%، وخصوصا اقتصاد الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي يعد الأكثر تعافيا في العام الماضي، فإن استمرار التراجع في أسعار النفط قد يفرض نفسه على أسعار باقي المنتجات. وبذلك بدلا من أن تتحول أسعار النفط المتدنية من داعم للنمو الاقتصادي، فإنها تهدده، فضلا عن استمراره في التقلبات الشديدة نتيجة تخلي مجموعة أوبك عن لعب دور المصدر المرجح واستمرارها بضخ المزيد من النفط، حفاظا على حصتها السوقية. مشكلة أسعار النفط ليست في زيادة المعروض، إنما في غياب دور صانع السوق. ولذلك فإن على الدول المنتجة للنفط من داخل وخارج أوبك التعاون ليس لمجرد إنقاذ أسعار النفط، إنما للحيلولة دون أن يتحول النفط لمعوق لنمو الاقتصاد العالمي. إعلان كبريات الشركات النفطية عن تسجيل خسائر تاريخية غير مسبوقة على مدى العقدين الماضيين